
بين القانون والدين.. جدل عراقي حول اعتقال المفطرين في رمضان
شفق نيوز/ يثير اعتقال عشرات الأشخاص بتهمة الإفطار في نهار شهر رمضان من قبل الأجهزة الأمنية جدلاً واسعاً، في ظل غياب قانون صريح يجرّم ذلك، ويزداد الجدل حدةً مع ورود تقارير تفيد باستخدام العنف في بعض حالات الاعتقال.
ويؤكد مصدر أمني، أنه منذ بداية شهر رمضان وحتى الآن، تم اعتقال 35 شخصاً في مختلف مناطق العراق بسبب الإفطار العلني، مضيفاً في حديثه لوكالة شفق نيوز، أن مدة التوقيف قد لا تتجاوز يوماً واحداً في بعض الحالات، فيما يُفرج عن بعض المعتقلين بكفالة بعد توقيعهم تعهداً، ليتم إطلاق سراحهم في اليوم ذاته.
وأشار المصدر إلى أن إجراءات الاعتقال تتم وفق الأطر الدستورية والقانونية، معتبراً أن توقيف المخالفين يجري استنادًا إلى المادة (1) من قانون وزارة الداخلية رقم (20) لسنة 2016.
وفي 27 شباط الماضي، (مع حلول شهر رمضان)، أصدرت وزارة الداخلية العراقية بياناً شددت فيه على احترام حرمة الشهر الفضيل، ومنعت الإفطار العلني نهاراً، حتى لغير المسلمين، وحظرت تقديم المشروبات الكحولية وإغلاق المخازن الخاصة بها، إضافة إلى غلق المطاعم والمقاهي عدا المجازة منها حتى الإفطار.
وأكدت الوزارة اتخاذ الإجراءات القانونية بحق المخالفين وفقًا للمادة (1) من قانون وزارة الداخلية رقم (20) لسنة 2016، واستنادًا إلى المادتين (2 و3) من نفس القانون، مشيرة إلى أن غير العراقيين المخالفين سيتعرضون للإبعاد.
رأي رجال دين: لا إكراه في العبادات
رجال دين وصفوا هذه الإجراءات بأنها “مخالفة للقوانين”، مشيرين إلى أنه لا يحق لأي جهة المساس بكرامة الإنسان علنًا، مؤكدين في الوقت ذاته أن الدين لا يُلزم أحدًا بالعبادات قسرًا.
وفي هذا السياق، قال رجل الدين السيد رحيم أبو رغيف، إن للدولة الحق في فرض القوانين والتعليمات التي تساهم في حفظ أمن المجتمع وحقوقهم وحماية حرياتهم المكفولة حسب القانون والضوابط.
وأضاف في حديثه لوكالة شفق نيوز، أنه من الناحية الشرعية، لا إلزام على المواطنين – والمسلمين بوجه خاص – بممارسة العبادات والطقوس.
وأشار أبو رغيف إلى أهمية احترام حرية العقيدة، وتجنب ما قد يسيء إلى مشاعر المسلمين، ومن ذلك إشهار الإفطار، مؤكداً ضرورة توجيه المخالفين باستعمال أساليب تُشعرهم باحترام مشاعر الآخرين الدينية، بعيداً عن العنف والتجاوز والاعتقال، إلا إذا تمادى الشخص في الاستخفاف والإساءة المتكررة لعقائد الآخرين.
بدوره، أكد الشيخ عبد الرحمن الساعدي أن عقوبة الضرب والتعزير لا تشمل الإفطار العلني، مشيراً إلى أن التعاليم الدينية لا تُفرض على أحد، إذ هناك طائعون وآخرون يعصون التشريعات الإسلامية، والناس أحرار في اختياراتهم.
وقال الساعدي، في حديثه لوكالة شفق نيوز، إنه لا يحق لأي شخص، سواء كان مسلماً أو من ديانة أخرى، أن ينتهك حرمة شهر رمضان بأي شكل، مؤكداً أن القوانين المدنية في العراق تكفلت بحفظ عقائد الناس ومنع الاستهزاء بها، بما في ذلك منع مظاهر الإفطار العلني.
وشدد الشيخ الساعدي، على ضرورة أن تكون العقوبات بحق المخالفين متوافقة مع الأسس القويمة للدين الإسلامي، الذي يضع كرامة الإنسان في مقدمة أولوياته، لافتاً إلى إمكانية تطبيق قوانين حكومية بحق المتجاوزين على حرمة الشهر الفضيل دون اللجوء إلى الإساءة أو التعدي على كرامة الناس.
موقف القانون العراقي
وزير الداخلية عبد الأمير الشمري كان قد أصدر بياناً مع بداية شهر رمضان، دعا فيه المواطنين إلى احترام خصوصية وحرمة الشهر الفضيل، مشدداً على إغلاق المطاعم والمقاهي والنوادي الاجتماعية في الفنادق والمحال كافة التي تقدم المأكولات والمشروبات، عدا المجازة منها أصولياً من الجهات المختصة، خلال أوقات الصيام وحتى موعد الإفطار.
ورغم عدم وجود قانون يجرّم الإفطار العلني في رمضان، إلا أن المطاعم تُغلق في جميع محافظات العراق، ويُعتبر تناول الطعام أمام الصائمين أمراً غير مقبول اجتماعياً.
ويؤكد الخبير القانوني علي التميمي، أن محاسبة المفطرين تتم وفق المادة 240 من قانون العقوبات العراقي، التي تعاقب بالحبس لمدة تصل إلى ستة أشهر أو بالغرامة في حالة مخالفة الأوامر والتعليمات الصادرة من الجهات الحكومية، وتتراوح الغرامة بين 200 ألف إلى مليون دينار عراقي.
وأوضح التميمي، في حديثه لوكالة شفق نيوز، أن هذا القانون يُطبق على جميع الموجودين داخل الأراضي العراقية، سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين أو أجانب، مضيفاً أن القانون يشمل المطاعم وعربات البيع، إلا في الحالات التي تحصل على موافقات رسمية.
وأشار إلى أن إطلاق سراح المفطرين بالكفالة لا يُسقط عنهم التهمة، إذ يُحال الملف لاحقاً إلى محكمة الجنح.
انتقادات حقوقية لعمليات الاعتقال
انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو يظهر فيه عدد من أفراد الشرطة متجمعين حول أحد العمال بذريعة التجاهر بالإفطار وانتهاك حرمة رمضان، الأمر الذي أثار استنكار الحقوقيين.
وفي هذا الصدد، قالت عضو مفوضية حقوق الإنسان السابقة فاتن الحلفي، إن الفيديو الذي يظهر فيه أحد المفطرين وهو يتعرض للضرب من قبل الشرطة يُعد انتهاكاً لحقوق الإنسان.
وأضافت الحلفي، في حديثها لوكالة شفق نيوز، أن ما يرافق عمليات اعتقال المفطرين من اعتداءات يُشكل “كارثة بحق الإنسانية”، مشيرة إلى أنه كان الأجدر بالقوات الأمنية تنبيه المفطرين إلى خطئهم بدلاً من الاعتداء عليهم.
وتؤكد الحلفي أن قانون العقوبات العراقي لا يتضمن مادة تجرّم الإفطار العلني، وإنما يتم محاسبة المفطرين على أساس مخالفة التعليمات والقرارات الحكومية فقط.
وأشارت إلى أن مفوضية حقوق الإنسان، بصفتها جهة رقابية، تواصلت مع الوزارات الأمنية لتنبيهها إلى الممارسات التي تمس حقوق الإنسان، مؤكدة أن على الجهات الأمنية الالتزام بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان.
مواقف اكاديمية ..
من جانبهم، رفض أكاديميون ومثقفون حملات الاعتقال التي تنفذها الأجهزة الأمنية بحق المفطرين.
وقال الباحث في الأنثروبولوجيا، الدكتور علي بخت، إن الصيام والإفطار أمر شخصي في بلد متعدد الديانات والثقافات، مؤكداً أن الدستور العراقي كفل احترام الحريات الشخصية.
ويضيف بخت، لوكالة شفق نيوز، أن العراقيين اعتادوا على احترام العقائد الإسلامية وغير الإسلامية منذ زمن بعيد، معتبراً أن عمليات الاعتقال تخالف المواد الدستورية المتعلقة بالحريات الشخصية، وتعكس صورة سلبية عن الوضع الاجتماعي في البلاد.
ولفت إلى أن التصرفات الفردية لبعض منتسبي الأجهزة الأمنية تنعكس بشكل سلبي على المؤسسة الأمنية ككل.
شهادات مواطنين من الاعتقال
ويشكو مواطنون من حملات الاعتقال التي تطال المفطرين، معتبرين أنها غير مبررة في بعض الأحيان.
يقول المواطن شاكر جبار (33 عاماً)، من منطقة البياع، إنه تم اعتقاله أثناء تدخينه سيجارة في الشارع، مشيراً إلى أنه لم يكن يقصد الإساءة للصائمين.
وأضاف في حديثه لوكالة شفق نيوز، أنه تعرض لظروف اعتقال غير لائقة، حيث زُجّ في غرفة صغيرة مع عدد كبير من المحتجزين، ولم يُفرج عنه إلا بعد توقيعه على تعهد خطي بعدم تكرار المخالفة.
أما المواطن راضي محسن (56 عاماً)، من منطقة الكرادة، فانتقد عدم مراعاة الأجهزة الأمنية لكبار السن والعمال، مؤكداً أن الإجراءات المتخذة لا تتناسب مع القيم الدينية.
وقال محسن، في حديثه لشفق نيوز، إنه يجب التمييز بين من يستهزئ بالمعتقدات الدينية عمداً وبين الأشخاص العاديين، مشدداً على أن العقوبات ينبغي أن تقتصر على التنبيه بدلاً من الاعتقال.
No Comment! Be the first one.