
خطاب الكراهية ومكافحته في جنوب شرق آسيا
د. محمد بن أحمد غروي
سلّطت الجمعية العامة للأمم المتحدة الضوء على المخاوف العالمية إزاء «الانتشار الهائل لخطاب الكراهية» حول العالم في يوليو 2021، واعتمدت قرارًا بشأن «تعزيز الحوار والتسامح بين الأديان والثقافات في مكافحة خطاب الكراهية». ودعا القرار إلى ضرورة مكافحة التمييز وكراهية الأجانب وخطاب الكراهية، وتآزر جميع الجهات الفاعلة إلى تكثيف جهودها لمعالجة هذه الظاهرة، بما يتماشى مع القانون الدولي لحقوق الإنسان.
عرفت الأمم المتحدة خطاب الكراهية بأنه «نوع من أنواع التواصل بالكلام أو الكتابة أو السلوك، الذي يهاجم أو يستخدم لغة مهينة أو تمييزية فيما يتعلق بشخص أو مجموعة على أساس دينهم، أو عرقهم أو جنسيتهم أو لونهم أو نسبهم أو جنسهم أو أي عامل هوية آخر».
ومع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي أصبح خطاب الكراهية بين الأفراد والمجتمعات أكثر ذيوعًا من العقود الماضية، واقترن ذلك بانتشار المعلومات المضللة وسهولة تداولها رقميًا بما يثير تحديات غير مسبوقة للمجتمعات، إذ تُكافح الحكومات لتطبيق القوانين الوطنية في ظلّ اتساع نطاق العالم الافتراضي وسرعته. وعلى عكس وسائل الإعلام التقليدية وتقييدها، يُمكن إنتاج خطاب الكراهية في الفضاء الرقمي وبتكاليف منخفضة من مجاهيل ليصل إلى جمهور خارج الإطار الجغرافي ليلاقي جمهوره بشكل آني، كما أن المحتوى الرقمي المتعصب يمكن إحياؤه ليعاود الظهور ويكتسب شعبيةً مع مرور الوقت.
وفي دول جنوب شرق آسيا، التي عُرفَت بتعددها العرقي والديني، وعمل مجتمعاتها باستمرار على تعزيز الانسجام بين أطرافها، يمثل خطاب الكراهية تحديًا صعبًا يمكنه أن يزعزع استقرار هذه المجتمعات ويدفعها نحو السلوكيات المتطرفة والمنحازة ضد الفئات الأضعف والأقليات.
ولمعالجة مخاطر خطابات الكراهية في إندونيسيا، ينظم قانون المعلومات والمعاملات الإلكترونية (ITE) هذه النوعية من الخطابات ويُجرم الأطراف التي تتورط في خطابات الحض على الكراهية، إلا أن تطبيقه لا يزال يواجه عددًا من التحديات التي شملت غموض التعريفات، وصعوبة تحديد الجناة وبطء إجراءات إنفاذ القانون.
وما يثير القلق بلورة الشباب في الأرخبيل وتحديدًا في ماليزيا، وهم الشريحة الأكبر من مستخدمي الإنترنت، ويتعرضون بشكل مستهدف للتلقين والتطرف من خلال خطاب الكراهية على الإنترنت.
وتكشف دراسة أجراها المركز الإقليمي لمكافحة الإرهاب في جنوب شرق آسيا (SEARCCT) أن الجماعات الإرهابية تستخدم الآن ألعاب الفيديو على الإنترنت والإنترنت المظلم لتجنيد الشباب ونشر أيديولوجيات تغذيها الكراهية.
وأفادت لجنة الاتصالات والوسائط المتعددة الماليزية (MCMC) بتضاعف شكاوى خطاب الكراهية إلى ستة أضعاف، وتثير هذه الزيادة الكبيرة مخاوف بشأن فعالية القوانين الحالية في معالجة خطاب الكراهية.
وفي الفلبين، على الرغم من أن القانون الفلبيني يُشرع حماية حرية الرأي للمواطنين، فإنه يقر بأن بعض أشكال التعبير غير محمية نظرًا لضررها المحتمل على الأفراد أو المجتمع، ومنها المحتويات التي تحض على التشهير والقذف، كما يضمن التعبير الذي يُحرّض على العنف أو الفتنة أو يُشكّل خطرًا واضحًا ومباشرًا على النظام العام للتنظيم.
ولكن القوانين المعمول بها حاليًا ليست شاملة في القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري أو مخصصة لخطاب الكراهية.
وقبل أعوام قليلة قدّم النواب في مجلسهم مشروع «قانون خطاب الكراهية» لوضع عقوبات قانونية على التعبيرات التي تُميّز ضد الآخرين وتُحرّض على العنف أو تُثيره، ويسعى إلى معاقبة مُرتكبيه بالسجن لمدة أقصاها ست سنوات.
واستشهد النواب بحادثتي إطلاق النار في مسجد كرايستشيرش وإطلاق النار الجماعي في إل باسو واللتين أثارهما خطاب الكراهية على الإنترنت.
أما سنغافورة فقد حدثت مشروعاً بهدف استيعاب التحدي الذي تفرضه وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يسهل على الشخص الإساءة وإثارة الكراهية تجاه أتباع المعتقدات المختلفة من خلال نشر الأكاذيب. ويهدف التعديل إلى توسيع نطاق أمر التقييد (RO) الذي يُلزم الشخص الذي ينشر محتوى تحريضي عبر الإنترنت بحذف المنشور، والحد من تأثير الجهات الأجنبية على المنظمات الدينية المحلية.
وفي تايلاند، يُعد قانون جرائم الحاسوب (CCA) الأداة القانونية الرئيسية للتعامل مع خطاب الكراهية، وبدرجة أقل، المادة 116 (التحريض على الفتنة) من القانون الجنائي. وتم أيضًا تعديل قانون جرائم الحاسوب لاستيعاب التحديات الجديدة الناشئة عن الأخبار الكاذبة وخطاب الكراهية على الإنترنت؛ وهذا يعني أن المحكمة يمكنها شطب وإزالة المعلومات التي يثبت أنها كاذبة وضارة بالجمهور من الإنترنت.
وفي كمبوديا، أعلنت وزارة الإعلام عن تعاونها مع منصات التواصل الاجتماعي تيك توك وفيسبوك لتعزيز معايير المجتمع لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي، ومن بينها العمل على تجنب المنشورات التي تحض على خطاب الكراهية، والتمييز العنصري، وتنتهك هذه المعايير دون وجود قوانين محددة تتعلق بخطابات الكراهية في القانون الكمبودي حتى الآن حسب اطلاعي.
مما يميز دول المنطقة أنها تعرف جيدًا خطر خطاب الكراهية المتصاعد محاولة التكيف مع المرحلة بتعديل قوانينها للتماشي مع القانون الدولي والعرف المحلي الذي يمكن أن يسهم بشكل أو بآخر في عنصرة الخطاب الديني وليّ النصوص الدينية لتكون أداة لاستحلال الآخر من خلال اللفظ أو يتعدى إلى أبعد من ذلك.
Please share this article if you like it!
No Comment! Be the first one.