
خلف الشاشة: صوت الضحايا وصمت القانون
فرانسيسكا موسى
“اشعر أنني محاصرة خلف شاشة، يطاردني الخوف في كل رسالة تصلني، ولا ملجأ لي سوى الصمت”.
هذه الكلمات التي تعبر عن ألم شابة لبنانية تكشف عن حجم المعاناة التي يواجهها الضحايا جراء التحرش الإلكتروني، ذلك العنف الصامت الذي لا يُرى ولكنه يترك تأثيرات نفسية عميقة. في لبنان، حيث لا تزال قوانين الحماية من العنف الرقمي غير فعّالة، يعاني العديد من الضحايا من صمت مضاعف: صمت من المجتمع الذي لا يرحم، وصمت من القانون الذي لا يوفر الحماية الفعالة. التحرش الإلكتروني في لبنان لا يزال أحد أخطر القضايا التي لم تجد حلولاً فعّالة حتى الآن. رغم وجود القانون 205 الذي أُقر عام 2020، والذي يجرّم التحرش الجنسي عموماً، إلا أن هذا القانون يعاني العديد من الثغرات التي تجعله غير قادر على حماية الضحايا من التحرش الرقمي خصوصاً. إذ لا توجد نصوص قانونية واضحة تجرّم الابتزاز الرقمي أو التهديدات بالتشهير عبر الإنترنت، وهي من أبرز أشكال التحرش التي تتعرض لها النساء. كما أن الخوف من الافتضاح أو من الحكم الاجتماعي يُجبر العديد من الضحايا على السكوت، ما يتيح للمعتدين الفرار من العقاب.
دراسات وتقارير محلية مثل تلك الصادرة عن منظمة “كفى عنفاً واستغلالاً” ومنظمة “أبعاد”، كشفت أن أكثر من 65% من النساء في لبنان تعرضن لشكل من أشكال التحرش الإلكتروني، ومع ذلك، نجد أن نسبة ضئيلة منهن أقدمت على التبليغ عنه، بسبب عدم الثقة بالنظام القضائي والخوف من الحكم الاجتماعي. يُضاف إلى ذلك أن ثمة ضحايا يواجهن “محاكمة أخلاقية” من المجتمع، حيث يُلمن بدلاً من معاقبة الجاني، ما يعزز من عزلتهن ويمنعهن من السعي وراء العدالة. بينما تمكّنت دول غربية مثل فرنسا وألمانيا من التصدي لهذه الظاهرة من خلال قوانين صارمة تُجرّم التحرش الرقمي وتفرض عقوبات على المعتدين، يبقى لبنان في مرحلة متأخرة في التصدي لهذه الظاهرة. في فرنسا، على سبيل المثال، تم إقرار قوانين لتجريم التحرش الرقمي الجماعي، في حين فرضت ألمانيا غرامات مالية على شركات التواصل الاجتماعي التي تفشل في إزالة المحتوى المسيء خلال 24 ساعة. لبنان، ياللأسف، لا يزال يفتقر إلى تشريعات واضحة وقوية لمواجهة التحرش الرقمي وحماية الضحايا.
التحرش الإلكتروني ليس مجرد مشكلة تقنية، بل هو أيضاً انعكاس لثقافة العنف التي تُبَرّر العنف وتُلقي اللوم على الضحايا. ولذلك، تتطلب مواجهة هذه الظاهرة جهوداً متكاملة تشمل تشريعات واضحة، تغييراً في الخطاب المجتمعي، وزيادة التوعية حيال حقوق الأفراد في الفضاء الرقمي. كذلك على الأجهزة الأمنية والقضائية أن تتلقى تدريباً متخصصاً للتعامل مع هذه القضايا بأقصى درجات الجدية. ويبقى السؤال: كيف يمكننا أن نطلب من ضحايا التحرش الإلكتروني أن يطلبن المساعدة والعدالة في مجتمع يُفضّل الصمت ويُلقي اللوم عليهن بدلًا من دعمهن؟ هل نحن على استعداد أخيراً لمواجهة هذا الوحش الرقمي بجدية وحماية ضحاياه كما يجب؟
No Comment! Be the first one.