
رغم إقراره برلمانيا… سجال عمالي مصري حول قانون العمل الجديد
بعد أعوام من النقاشات استغرقت ما يقارب 14 عاماً، بحثاً عن واقع أفضل لسوق العمل المصرية، في ظل قانون عفا عليه الزمن، وأصابه كثير من العوار بحكم الواقع العمالي وسوق العمل، خرج قانون العمل المصري إلى النور، وسط إشادات من بعض المتابعين الذين وصفوه بـ”النقلة النوعية التي تحفظ مكتسبات العمال وتحقق التوازن بين أطراف العملية الإنتاجية”، وانتقادات من آخرين ارتأوا فيه “نقصاناً في الأمان الوظيفي والأجر العادل وكذلك حقوق العامل”.
وفي ظل تباين الرؤى تبقى الأسئلة الجديرة بالطرح التي تضع القانون في ميزانه العمالي العادل بين الحكومة والعمال وأصحاب العمل فارضة نفسها، خصوصاً بعدما اعتبره البرلمان المصري “لحظة تاريخية ومحطة فارقة بالعمل التشريعي”، على حد وصف وزير الشؤون النيابية والقانونية المستشار محمود فوزي، فإلى أي مدى توافق القانون الجديد مع ما صدر من اتفاقات عمالية عن الأمم المتحدة؟ وهل اتسق القانون مع ما صدقت عليه مصر من مواثيق واتفاقات في هذا الشأن؟ وأي مستقبل لسوق العمل المصرية وعجلة الإنتاج ومعدلات البطالة وفق القانون الجديد؟
وفق إحصاء رسمي صادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (جهة حكومية)، في أبريل (نيسان) الماضي، فإن إجمال عدد المشتغلين 29.928 مليون مشتغل لعام 2024، كما بلغ إجمال المشتغلين بأجر 21.748 مليون مشتغل لعام 2024، بينما بلغ أصحاب العمل ويديرونه 1.032 مليون، وبلغ عدد المشتغلين ممن يعملون لحسابهم الخاص 5.858 مليون مشتغل، وبلغ عدد الذين يعملون لدى الأسرة والغير من دون أجر 1.290 مليون للعام نفسه.
بين الحكومة والعمال وأصحاب العمل
في البداية، يتصور رئيس لجنة القوى العاملة بالبرلمان المصري، عادل عبدالفضيل، أن القانون الجديد سيحقق التوازن بين أطراف العملية الإنتاجية الثلاثة: الحكومة والعمال وأصحاب العمل، قائلاً “التشريع الجديد لا يتغول أو يجور على حق طرف على حساب الآخر، ويمنح الجميع حقوقهم المشروعة”، موضحاً “فلسفة القانون تعتمد على تحقيق التوازن بين شركاء العمل وتوفير مناخ جاذب للاستثمار من دون الإخلال بالحفاظ على حقوق العمال، مع توفير ضمانات الأمان الوظيفي للعمال، علاوة على زيادة الإنتاج والحد من معدلات البطالة، وتحفيز الشباب على العمل بالقطاع الخاص مع مراعاة ملاءمة حاجات التدريب والتشغيل”.
وفق عبدالفضيل، الذي يشغل أيضاً منصب أمين العمال بالأمانة المركزية بحزب الجبهة الوطنية، فإن التشريع الجديد راعى طموحات العامل في الحصول على أجر عادل ومظلة حماية اجتماعية وصحية وأمان وظيفي مهني له ولأسرته، وكذلك أصحاب الأعمال الذين يرغبون في تأمين استثماراتهم والتزام العامل واجباته أمامهم وتعزيز الإنتاج في بيئة خالية من الأخطار والصعوبات، وأيضاً الحكومة التي تستهدف تحقيق الاستقرار والسلم المجتمعي وزيادة الإنتاج، الذي بدوره سينعكس على الدخل القومي.
ويوضح رئيس لجنة القوى العاملة بالبرلمان أن “القانون الجديد أقر بحق العامل في الحصول على إجازة سنوية وراحة لتجديد نشاطه وحيويته، لكنه منح المالك أيضاً حق تحديد موعد تلك الإجازة بصورة لا تؤثر في الإنتاج وسير العمل”، مؤكداً أن التشريع الجديد يختص بـ”قطاع الأعمال العام والقطاع الخاص”، وسيكون بمثابة الشريعة العامة والمرجعية التي تحكم كل علاقات العمل حتى التي لم يرد بها نص في أي قانون آخر.
وأعلن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، خلال احتفالية عيد العمال أمس السبت، توقيعه على إصدار قانون العمل الجديد، معتبراً أنه “نقلة نوعية في مسيرة الحقوق العمالية، ويضمن مكتسبات واضحة للعمال، ويرسخ مفاهيم حماية العمال وإنصافهم، ويؤكد الحقوق المستحقة للمرأة العاملة، ويعزز ضمانات الأمن الوظيفي للعاملين، ويتوافق مع مواثيق واتفاقات العمل الدولية”.
وفي رأي رئيس الاتحاد العام لنقابات عمال مصر عبدالمنعم الجمل فإن قانون العمل المعمول به حالياً “لم يعد مواكباً لتطور العصر بعدما مضى عليه ما يقارب 22 عاماً، لا سيما مع حدوث تعديلات في كثير من التشريعات والقوانين واستحداث قوانين جديدة مثل قانون التأمينات الاجتماعية”، وعليه يعتقد الجمل أن سن قانون جديد يتواكب مع مقتضيات العصر ويتلافى إشكالات ومعوقات وسلبيات القانون القديم كان ضرورة، مع وجود رغبة ملحة من جميع الأطراف لإصدار قانون جديد.
يقول الجمل “القانون الجديد يحقق مصلحة جميع أطراف منظومة العمل، خصوصاً أنه استغرق مناقشات عدة في أروقة مجلس الشيوخ منذ أعوام عدة قبل حدوث اعتراضات واسعة عليه من قبل النقابات وأصحاب العمل، ثم إعادة الدولة طرحه مجدداً للحوار المجتمعي لتلافي تلك المشكلات، قبل إرساله مرة أخرى إلى مجلس النواب المصري، وعقد جلسات شارك فيها جميع المتخصصين من منظمات العمل والاتحادات والنقابات المهنية والمجلس القومي للمرأة وحقوق الإنسان، والجمعيات الأهلية والشخصيات العامة، ليخرج في النهاية بصورة توافقية”، مردفاً “نعول في النهاية على القرارات التنفيذية التي ستصدر في المرحلة المقبلة بعد إقرار القانون فض الاشتباك في بعض البنود والنقاط، لأن القضية ليست مغالبة بين طرف وآخر، لكنها حقوق وواجبات ينبغي مراعاتها”.
يشار إلى أن الحكومة المصرية كانت تقدمت بمشروع القانون الجديد للمرة الثانية في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، بعدما سحبته منذ عامين من مجلس النواب، بعد انتقادات واعتراضات مجتمع الأعمال.
وفي شأن بنود القانون يعدد الجمل مزايا القانون الجديد، التي تتلخص في “تجريم عمالة الأطفال، والمساواة في الحقوق بين جميع أطراف المنظومة، ومنع التمييز في الوظائف، كذلك أفرد مساحة كبيرة للعمالة غير المنتظمة على خلاف القانون القديم، ومنح الفرصة للوظائف الجديدة التي ظهرت بعد تفشي فيروس كورونا والحرب الروسية – الأوكرانية، وأيضاً منح كثيراً من مزايا الحماية التأمينية والاجتماعية، وخلق بيئة آمنة للعمالة وأصحاب الأعمال، علاوة على الاهتمام بموضوعات السلامة والصحة المهنية ومجالات التدريب، فضلاً عن إنهاء مشكلة (استمارة 6) للعامل، إذ منحه حصانة أن الاستمارة لا يُستند إليها إلا إذا وقع عليها العامل وصاحب العمل أمام مكتب العمل، ومنح الحق للعامل أيضاً في أن يتراجع عنها خلال أسبوع من استقالته”.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في السياق ذاته، يرى عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، أيمن زهري، أن التشريع الجديد “يتوافق مع حقوق الإنسان وبمثابة نقلة كبيرة في التشريع المصري”، مؤكداً أن “القانون خرج بشكل توافقي بين كل الجهات المعنية بمنظومة العمل، ولم يرضخ لأي ضغوط من قبل اتحاد الصناعات أو النقابات العمالية”.
وأعلن وزير العمل المصري محمد جبران، في تصريحات صحافية أبريل (نيسان) الماضي، أن إقرار القانون الجديد جاء بعد مناقشات شارك فيها جميع المعنيين بالقانون، ولم يُقصَ أحد خلال جلسات الحوار المجتمعي، وأن القانون الجديد يحقق الأمان الوظيفي للعمال ويخلق مناخاً جاذباً للاستثمار.
وفي تصور عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، فإن القانون الجديد يعتبر أول قانون يخرج عن إطار الفكر الاشتراكي مثل القوانين السابقة التي وُضعت في عهد الرئيسين الراحلين عبدالناصر والسادات، موضحاً “القانون القديم المعمول به حالياً كان مجحفاً، ولم يحقق التوازن بين مصلحة العامل وأصحاب العمل، ومعوقاً لجذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية التي كانت لا ترغب في العمل في ظل هذا القانون”.
ويعتقد زهري، خلال حديثه إلى “اندبندنت عريية”، أن القانون الجديد منح مزايا عدة لكثير من الفئات العمالية، لا سيما العمالة غير المنتظمة، بينما لا يزال هناك مناقشات في شأن القانون المستقل، الذي يُدرس حالياً في شأن العمالة المنزلية كونها قضية ذات حساسية شديدة، وينبغي التعامل معها بحرص لحفظ حقوق تلك الفئات.
ماذا ينقص قانون العمل الجديد؟
على النقيض من الطروحات السابقة، يرى رئيس نقابة العاملين بالقطاع الخاص، شعبان خليفة، أن التشريع الجديد “لن يحقق الأمان الوظيفي والأجر العادل والرعاية الصحية والاجتماعية التي يطمح إليها العامل الذي يعتبر الطرف الأضعف في الحلقة الإنتاجية”، بحسب تعبيره، موضحاً “القانون يحوي كثيراً من الثغرات، لا سيما في ما يتعلق بالعلاوة الدورية والمفاوضة الجماعية والأجر الوظيفي”.
وفي تقدير خليفة فإن المجتمع العمالي فوجئ بانتقاص مكتسبات العمال في ما يتعلق بالجزء الخاص بالعلاوة السنوية الدورية، التي أقرها القانون القديم رقم 12 لسنة 2003 في مادته الثالثة بنسبة سبعة في المئة، لتُقر في القانون الجديد بنسبة ثلاثة في المئة، مستشهداً “إذا افترضنا أن العامل مؤمن عليه بـ12 ألف جنيه (236.37 دولار)، فهذا يعني أنه سيتقاضى 360 جنيهاً (7.09 دولار) علاوة سنوية”.
يمضي رئيس نقابة العاملين بالقطاع الخاص، في حديثه إلى “اندبندنت عربية”، “كان من الأجدى أن يُلزم أصحاب الأعمال في باب الأجور تطبيق الحد الأدنى للأجور، الذي أقرت الدولة زيادته رسمياً، كي يعيش العامل وأسرته حياة كريمة، ومعاقبة أصحاب العمل في حال عدم التنفيذ بسحب رخصة التشغيل أو غرامة مالية قيمتها 100 ألف جنيه وتتعدد بحسب عدد العمال”.
وكانت الحكومة قد أقرت فبراير (شباط) الماضي زيادة الحد الأدنى للعاملين بالقطاع الخاص إلى 7 آلاف جنيه (137 دولاراً أميركياً) شهرياً مقابل 6 آلاف جنيه (118 دولاراً أميركياً).
وفي شأن الأمان الوظيفي، يرى خليفة أن المشرع “لم يراع حقوق أصحاب العمل”، موضحاً “القانون منح الملاك في العقود الموقتة بأن يُجدد التعاقد بمدد مفتوحة، وهذا أمر غير صحي، لأن العامل إذا تخطى الأشهر الثلاثة من فترة التدريب يكون له الحق في التعيين، لا سيما إن كانت طبيعة العمل تأخذ صفة الديمومة، مثل العمل في مصنع، وليس عملاً موقتاً ينتهي بانتهاء العمل نفسه”.
وفق خليفة فإن القانون الجديد أغفل دور ما يسمى “المفاوضة الجماعية”، الذين كانوا يحضرون مع العمال أثناء حدوث أي مشكلات تطرأ، لتقريب وجهات النظر، ومنح الحق للتنظيم النقابي، الذي لا يمثل سوى سبعة في المئة من حجم منشآت القطاع الخاص، التي يصل تعدادها إلى 4 ملايين منشأة، كما ألزم القانون الجديد جميع العمال بضرورة عمل توكيلات للمفاوض، وهو ما يمثل أعباءً ورسوماً وكلفة إضافية عليهم، علاوة على استحداث القانون وكالات التشغيل بالداخل التي تعتبر بمثابة بوابة خلفية لهرب صاحب العمل من سداد مستحقات العاملين وضياع حقوقهم التأمينية والصحية والضريبية.
يوافقه الرأي نائب رئيس الاتحاد العام لنقابات عمال مصر، مجدي البدوي، موضحاً “كان لا بد من إعادة النظر في بند تعيين العمالة بعقود موقتة محددة المدة، بحيث تكون دائمة لا موقتة”، معتبراً أن مواد إنهاء التعاقد في القانون بمثابة بوابة خلفية للفصل التعسفي كونها تحوى ألفاظاً “مطاطية”، وفق تعبيره، مشيراً إلى أن القانون سمح لأي من الطرفين بإنهاء العقد غير المحدد المدة بشرط الإخطار المسبق كتابة، مع ضرورة أن يكون الإنهاء مبرراً بصورة مشروعة.
وعلى رغم السلبيات التي انطوى عليها مشروع القانون، فإنه يرى أن التشريع الجديد يتضمن أيضاً كثيراً من النقاط المضيئة، أبرزها ما يتعلق ببند “عقد العمل” الذي أقر بأن يكون هناك ثلاث نسخ، إحداها مع العامل وأخرى مع صاحب العمل وثالثة في مكتب العمل، لضمان حقوق العامل في حال اتخاذ أي إجراءات قانونية، كذلك أنهى ما يسمى “بعبع الاستقالة واستمارة 6″، كما أقر بضرورة إنشاء محكمة عمالية بخلاف المحكمة الجزئية الموجودة حالياً على غرار محكمة الأسرة والمحكمة الاقتصادية لسرعة البت في القضايا العمالية خلال 90 يوماً لمنح العمال حقوقهم، وهو ما سيخفف عنهم، علاوة على إنشاء المجلس الأعلى للتوظيف والتدريب الذي سيسعى إلى توظيف كثير من العمالة وإلحاقهم بسوق العمل مباشرة وتقليل نسبة البطالة.
وفق البدوي فإن القانون منح أيضاً حقوقاً واسعة للمرأة، مثل حقها في إجازة الوضع لتكون ثلاث مرات خلال أربعة أشهر بدلاً من ثلاثة أشهر مثلما كان من قبل، وكذلك أقر حقوقاً هائلة للعمالة غير المنتظمة، إذ أنشأ صندوقاً لحماية وتشغيل تلك العمالة، إضافة إلى صندوق آخر لخدمات الرعاية الاجتماعية والصحية، إلى جانب الاهتمام بتدريب وتثقيف تلك الفئات وتوفير الخدمات الاقتصادية والاجتماعية لهم.
No Comment! Be the first one.