
قانون إفلاس الشركات.. حماية مزدوجة للدائن والمدين
يعد قانون إفلاس الشركات في الإمارات نموذجاً متقدماً لتشريعات الإعسار المالي، حيث يجمع بين حماية مصالح الدائنين، وتمكين الشركات المتعثرة من إعادة تنظيم أوضاعها المالية. فمن خلال آليات، مثل التسوية الوقائية وإعادة الهيكلة والتمويل الجديد، يوفر القانون فرصة للشركات للخروج من الأزمات المالية، بينما يضمن من ناحية أخرى حقوق الدائنين، عبر ضوابط صارمة حول التصرفات المالية ومسؤوليات الإدارة.
هذا التوازن الدقيق، يجعل من القانون الإماراتي نموذجاً يستحق الدراسة في مجال تشريعات الإعسار المالي.وصدر المرسوم بقانون اتحادي رقم (51) لسنة 2023، بشأن إعادة التنظيم المالي والإفلاس، ليحل محل القانون السابق (رقم 9 لسنة 2016)، حيث جاء بمجموعة من الآليات الحديثة، التي توازن بين مصالح جميع الأطراف.
ينظم المرسوم الجديد مختلف حالات الإفلاس التي تواجهها الشركات المتعثرة في الإمارات. ويهدف القانون إلى تعزيز استقرار الأعمال في الدولة، وزيادة ثقة المستثمرين في سوق الإمارات، كما يحدد الإطار القانوني اللازم لمساعدة الشركات المتعثرة في تفادي حالات الإفلاس، وتصفية أموال المدين، وذلك عبر مجموعة متنوعة من الآليات التي تشمل: عمليات إعادة التنظيم المالي التي تتم خارج المحاكم، والصلح الواقي من الإفلاس، وإعادة الهيكلة المالية، وإمكانية الحصول على قروض جديدة، وفق شروط يحددها القانون، والإطار القانوني لتحويل إجراءات الصلح الواقي إلى إجراءات إشهار الإفلاس وتصفية أموال المدين.
إجراءات الإفلاس
تبدأ إجراءات الإفلاس بتقديم الدائنين طلباً لإفلاس الشركة المدينة خلال 60 يوماً من تاريخ التوقف عن السداد، مع إرفاق وصف الوضع المالي والاقتصادي للشركة المدينة، والبيانات المالية لآخر 3 سنوات، وبيان بالديون والأصول والتصرفات المالية خلال 3 سنوات سابقة.
ثم تأتي الخطوة الثانية، وتتمثل في الفحص والموافقة، حيث تقوم محكمة الإفلاس (أو وحدة الإفلاس)، بفحص الطلب خلال 10 أيام، وإذا تم قبول الطلب، تُصدر المحكمة قراراً بافتتاح إجراءات الإفلاس، وتحديد تاريخ التوقف عن السداد.
أما الإجراء الثالث، هو تعيين أمين التفليسة، حيث يُعين أمين تفليسة (شخص أو جهة)، لإدارة أصول الشركة وجرد الديون. ويعد جدول الديون، ويصنفها حسب الأولوية (مثل رواتب الموظفين أولاً).
رابعاً، خيارات التسوية أو التصفية: وتتضمن التسوية الوقائية، حيث يتم التفاوض مع الدائنين لاستمرار النشاط، أو إعادة الهيكلة، حيث يتم تعديل هيكل الديون أو العمليات، أو التصفية الكاملة، حيث يتم بيع الأصول لسداد الديون حسب الأولوية القانونية.
ثم يأتي بعد ذلك إجراء توزيع الأموال، حيث تُسدد الديون بالترتيب: الديون المضمونة كـ(القروض المرهونة)، والديون غير المضمونة كـ(الموردين)، وحقوق المساهمين (إن وجد فائض).
تطبيق واستثناءات
ولا يطبق قانون الإفلاس على الأشخاص الطبيعيين، بل يطبق فقط على الشركات التي يحددها القانون، وهي كالتالي: الشركات الخاضعة لأحكام قانون الشركات التجارية، وأي شخص طبيعي يتمتع بصفة التاجر، والشركات المدنية المرخصة ذات الطابع المهني.
ويستثنى من تطبيق أحكام هذا القانون: الشركات المملوكة كلياً أو جزئياً للحكومة الاتحادية أو المحلية، التي تنص تشريعات إنشائها أو عقودها التأسيسية أو أنظمتها الأساسية، على إخضاعها لأحكام خاصة بتنظيم إجراءات التسوية الوقائية، أو إعادة الهيكلة أو الإفلاس، بخلاف هذا القانون. كما يستثنى من القانون الشركات والمؤسسات في المناطق الحرة، الخاضعة لأحكام خاصة، تُنظم إجراءات التسوية الوقائية أو إعادة الهيكلة أو الإفلاس.
كذلك يستثنى البنوك والمنشآت المالية وشركات التأمين المرخصة من قبل المصرف المركزي، والتي تخضع لتشريعات خاصة، تنظم إجراءات التسوية الوقائية وإعادة الهيكلة والإفلاس، وذلك في حدود تلك التشريعات. ويستثنى أيضاً ديون المدين التي ترتبت في ذمته، وكانت لأغراض شخصية أو عائلية أو استهلاكية، وتشمل شراء السلع أو الخدمات أو شراء عقار لسكنه الخاص أو لعائلته.
مظلة حامية
وقال علي دخل الله، المستشار القانوني، رئيس قسم التقاضي المالي والمصرفي في «حبيب الملا وشركاه»، إن قانون إفلاس الشركات يستهدف الحفاظ على حيوية الاقتصاد الوطني، حيث يدرك المشرّع أن نظام الإفلاس المطبق على التجار، له أبعاد وآثار قد تطال اقتصاد الدولة ككل، لا سيما أن مجال التجارة الذي تنضوي تحته شتى أنواع القطاعات الحيوية (كالمقاولات، والتطوير العقاري، والاستشفاء، والمصارف، والسياحة)، هو المظلة الكبرى الحامية للاقتصاد، وهو ما يستدعي توفير الحماية القانونية اللازمة للتجار، في حال تعثرت أوضاعهم المالية.
وأضاف أن من بين أهداف القانون، الحفاظ على حقوق الدائنين، وكفالة التوزيع العادل في ما بينهم، وفي الوقت ذاته، مساعدة المدين على تسوية ديونه دون إشهار إفلاسه بقدر المستطاع، حيث يهدف تقليص حجم كرة الثلج التي قد تطال أكثر من شخص متضرر، نتيجة تعرض تاجر معين لأزمة مالية، تؤدي إلى عدم إيفاء التزاماته تجاه دائنيه الذين يتفاعل معهم ضمن سياق تجارته.
وأردف: نص قانون الإفلاس الجديد على مجموعة قواعد جديدة، تمنع تمتّع دائن أفضلية في تحصيل دينه على آخر، إذ حظرت قيام أحد الدائنين بمقاضاة المدين والتنفيذ على أملاكه بشكل منفرد، إلى حين انتهاء المحكمة من المهمّة المنوطة إليها، المتمثّلة بالتسوية الوقائية، أو بإعادة هيكلة ديون التاجر أو تصفيتها لأمواله.
وقد نص القانون على أن جميع الدائنين لهم ذات الحق في استيفاء ديونهم، مع مراعاة ترتيب الديون، حيث أعطى الأولوية للديون المضمونة (المقرونة برهن على إحدى ممتلكات التاجر)، لدى تصفية الممتلكات المرهونة (كما هو الحال عند رهن التاجر مكتبه للبنك الذي كان قد اشتراه بموجب تمويل عقاري).
وقال إن المميز في قانون الإفلاس الجديد، أنه نص صراحة على وجوب سعي محكمة الإفلاس لإعادة هيكلة ديون التاجر، وتجنب إشهار إفلاسه. فالهدف السامي للقانون، هو دعم التاجر، في محاولته النهوض من مشكلته، وليس مجرد تصفية أمواله، كما هو الحال في التشريعات القديمة، التي ما زالت نافذة في معظم دول العالم.
وبذلك يستمر التاجر في خدمة مجتمعه، نتيجة علم المشرع بأن التاجر يستفيد منه مختلف شرائح المجتمع، كالمنتجين والمزارعين والمستوردين، وصولاً إلى العملاء والزبائن، ما يضمن تداول النقد والثروات في السوق المحلي، وينشئ دورة اقتصادية حيوية صحية، أي نجاحه يؤدي إلى نجاح غيره.
مرونة
وأكد أن القانون يستهدف كذلك تعزيز الإجراءات على نحو عادل ومنصف، ويتسم بالسرعة والتنظيم، وقال: ربما أكثر ما ينفرد به نظام الإفلاس، هو فهمه بأن حسن تطبيقه مرهون بالمرونة والليونة والفعالية في اتخاذ وتنفيذ القرارات، سواء لناحية متابعة أعمال أمين الإجراءات عن كثب، أو لناحية الاجتماع بالدائنين، ومتابعة إعداد خطة إعادة الهيكلة والتصويت عليها وتنفيذها، أو استدعاء المدين وممثليه لسماع أقوالهم، أو لناحية الإشراف على إجراءات تصفية ممتلكات المدين.
وقد أنشأ القانون هيئة خاصة لمتابعة كل تلك الإجراءات، تعمل تحت إشراف محكمة الإفلاس، بمسمى «إدارة الإفلاس»، والتي تم تعريفها كوحدة تنظيمية، برئاسة قاضٍ لا تقل درجته عن قاضي استئناف، يعاونه عدد من الموظفين.
وأوضح أن قانون الإفلاس يستهدف كذلك المحافظة على أموال التفليسة وحمايتها، وتعظيم قيمتها بأقصى قدر ممكن، وقال: إن لهذا الهدف عدة اعتبارات، منها ضمان الحرص على عدم تهريب المدين أي من ممتلكاته، من خلال وضعها تحت حماية وعناية وحراسة أمين الإجراءات، وذلك لاعتبار أموال التفليسة ضرورية، إمّا لتسخيرها لغرض ضمان استمرارية تجارة المدين، وتوليد إيرادات قد تستخدم لسداد ديونه، وإمّا لأن الحفاظ على قيمتها يؤدي إلى إيفاء أكبر قدر من حقوق الدائنين.
وقد لوحظ بقانون الإفلاس، إمكانية حصول المدين التاجر على تمويل جديد من الجهات ذات الصلة، وذلك لضمان استمرارية أعماله، لما لذلك من أثر إيجابي على حقوق الدائنين والمجتمع ككل.
ورداً على سؤال حول قانون الإفلاس الجديد، وكيف يسهم في حماية حقوق الدائنين والمدينين، على حد سواء، قال: ربما أبرز مثال، هو أنه: على الرغم من أن القانون قد نص على وجوب تصويت الدائنين على خطة إعادة الهيكلة المجهّزة من قبل أمين الإجراءات، إلا أن القانون لم يترك مصير المدين التاجر في يد الدائنين، الذين غالباً ما يكون كل همّهم هو تحصيل ديونهم في أسرع وقت ممكن، فقد أباح للمحكمة حق فرض خطة إعادة الهيكلة على جميع الدائنين، فيما لو وجدت أن ما سيحصل الدائنون عليه من خلال إعادة الهيكلة، هو نفس ما كان سيتم توزيعه عليهم في حال تصفية أموال المدين.
تعد تلك الإباحة رادعاً أمام الدائنين الممارسين لحق التصويت بشكل انتقامي أو انتقائي، بالنسبة للخطة المعروضة أمامهم. وفي ذات الوقت، يكون الدائنون قد حصلوا على ما كان سيحصل عليه في حالة إشهار الإفلاس والتصفية، لكن تبقى أعمال التاجر على قيد الحياة.
إجراءات ما قبل التصفية
وحول الإجراءات التي يتيحها قانون الإفلاس للشركات التي تواجه صعوبات مالية قبل الوصول إلى مرحلة التصفية، قال: أنشأ القانون آلية التسوية الوقائية، التي بموجبها تقوم الشركة بدعوة دائنيها للتصويت على خطة تهدف إلى تسوية ديونها، بشروط يوافق عليها أولئك الدائنون، وتستفيد الشركات من أمر المحكمة بوقف كافة المطالبات والدعاوى القضائية المقامة من الدائنين لفترة ثلاثة أشهر، قابلة للتمديد لفترة لا تجاوز ستة أشهر.
وبموجب هذه الآلية، يتم التصويت على الخطة المعروضة من الشركة نفسها، والتي إن حصلت على الأغلبية المطلوبة بموجب القانون، يتم المصادقة عليها من قبل المحكمة، فتصبح ملزمة تجاه المعارضين والمؤيدين، على حد سواء.
وأضاف: من ثم أتاح القانون آلية إعادة الهيكلة المشابهة للتسوية الوقائية، إلا أنها تتمايز بتعيين أمين من قبل المحكمة، لإدارة وجرد أموال الشركة، وتحديد التزاماتها المالية، ولإعداده خطة لإعادة الهيكلة التي يجوز للمحكمة فرضها على جميع الدائنين.
أما الآلية الثالثة، فهي إشهار الإفلاس، وتصفية أموال الشركة، وقد شهدت وأشرفت محاكم إفلاس الإمارات على أكثر القضايا تعقيداً في هذا الصدد، وأبرزها مجموعة شركات «أرابتك» الشهيرة. وحول التحديات التي قد تواجه الشركات الصغيرة والمتوسطة عند تطبيق قانون الإفلاس في الإمارات، قال: ربما أبرزها أن القانون ما زال نسبياً يعتبر تشريعاً جديداً، ولا يوجد عدد كبير من المحامين المختصين في مجال إعادة التنظيم المالي والإفلاس، ما يفوّت على هذه الشركات عملياً فرصة الاستفادة من نظام الإفلاس.
كما أن هناك انطباعاً لدى الجمهور بأن إشهار الإفلاس سيمحي ديون الشركة، بحيث يتم ولادة الشركة من جديد، فتبدأ بميزانية جديدة على بياض، في حين أن ذلك الانطباع ليس صحيحاً، إذ تبقى الشركة مدينة للدائنين الذين لم يستوفوا ديونهم (المادة 185). فالحالة الوحيدة التي يتم فيها إبراء ذمة الشركة من ديونها، هو في حال نجحت في تنفيذ آلية التسوية الوقائية، أو آلية إعادة الهيكلة، أو إذا تصالحت مع دائنيها.
مؤشرات سهولة الأعمال
وفي ما يتعلق بتأثير قانون الإفلاس على تصنيف الإمارات في مؤشرات سهولة ممارسة الأعمال، قال إن قانون الإفلاس الجديد يمنح المستثمر فكرة دقيقة عما قد تؤول إليه الأمور، في ما لو تعرض التاجر إلى ضائقة مالية يتعثر بموجبها عن إيفاء ديونه.
وإن كل ما يطمح إليه المستثمر في معظم الأحيان هو الشفافية والوضوح ليتمكن من ترتيب حساباته سلفاً، فكيف هو الحال في ما لو كان القانون أيضاً يبيح للتاجر إمكانية التمتع بحماية نظام للإفلاس، يعتبر متطوراً وفعالاً بحسب أعلى المعايير الدولية.
وأكد أن القانون الحالي يسهم في إرساء طمأنينة لدى المستثمر بأن التشريعات المحلية أولاً موجودة لمعالجة الصعوبات المالية المؤدية إلى التخلف عن سداد الديون التجارية، وثانياً بأنها لا تهدف إلى معاقبة التاجر، وإنما إلى معاونته على النهوض مجدداً، وثالثاً بأنها سريعة ومنظمة وفعالة ومنصفة.
من جهتها، قالت المحامية جواهر الغيث، إن تشريعات النظم القانونية المختلفة، تنبهت إلى مسألة جوهرية، قد تكتنف المعاملات التجارية، والتي بدورها تؤثر في المجال الاقتصادي، وهي مسألة العجز عن سداد الديون لاستغراقها والإحاطة بكل الأموال والممتلكات.
وأضافت: نرى أن الإمارات قد نظمت مرسوماً بقانون اتحادي رقم (51) لسنة 2023، بإصدار قانون إعادة التنظيم المالي والإفلاس، وذلك تزامناً مع ما تشهده الدولة من ازدهار اقتصادي على جميع الأصعدة التجارية، والذي واكب هذا النمو المتسارع، بما جاء من تعديلات في هذا المرسوم، الذي يهدف إلى الحفاظ على حيوية الاقتصاد الوطني، وعلى حقوق الدائنين، كما يعمل على مساعدة المدين لتسوية ديونه مع دائنيه، وتجنب تصفية أعماله وإشهار إفلاسه بقدر الإمكان، وسرعة الإجراءات وتنظيمها على نحو منصف، كي تكفل التوزيع العادل على الدائنين، من خلال استخدام وسائل التقنية الحديثة، ابتداءً من مرحلة تقديم الطلبات، إلى حضور الاجتماعات، والتصويت والجلسات أيضاً، كما تضمن معاملة الدائنين الذين تتماثل مطالباتهم على قدم المساواة، وتحفظ أموال التفليسة، وتحميها وتعظمها إلى أقصى حد ممكن.
وأكدت أن قانون إعادة التنظيم المالي والإفلاس الإماراتي، يسهم في حماية الحقوق لكل من الدائنين والمدينين، على حد سواء، من خلال تعيين الأمين والمراقب، فالأول هو الذي يعين لمباشرة إجراءات إعادة الهيكلة وإشهار الإفلاس، والثاني يقوم بمتابعة تنفيذ إجراءات التسوية الوقائية، وإعادة الهيكلة وإشهار الإفلاس. وشددت على أن الإجراءات التي تبناها هذا التشريع، توازن وتحمي المراكز المالية، بما فيها من توازن وإنصاف لكفتي الميزان بين الدائن والمدين، كإعادة التنظيم المالي، التي تهدف إلى مساعدة المدين على الاستمرار في نشاطه التجاري، والوفاء بديونه، من خلال تطبيق خطة التسوية الوقائية أو إعادة الهيكلة.
منع الإجراءات الفردية
وقالت إنه من جهة حماية حقوق الدائنين، نجد أنه يمنعهم من اتخاذ إجراءات فردية لاسترداد أموالهم، ويوجههم إلى تسويات عادلة من خلال المحكمة، فيتم توزيع أصول المدين بطريقة عادلة، وفق ترتيب الأولويات، بحيث يحصل الدائنون على مستحقاتهم، وفقاً لنظام التصنيف وأولوية الديون، وفقاً للقانون الإماراتي. كما يفرض القانون على المدين الإفصاح عن جميع أصوله والتزاماته، ما يحمي الدائنين من عمليات الاحتيال، أو نقل الأصول لإخفائها عن المطالبات القانونية، ما يعزز معايير النزاهة والشفافية.
وأضافت: من جهة حماية حقوق المدينين، نجد أن القانون قد سعى أيضاً إلى تمكين المدينين من التعافي المالي، بدلاً من تصفيتهم بالكامل، فمجرد قبول المحكمة طلب الإفلاس أو إعادة الهيكلة، يتم إيقاف جميع الدعاوى القضائية والتنفيذية ضد المدين، ما يمنع البيع الفوري للأصول، وإيجاد حلول قانونية ذات جدوى ومرونة، ما يفتح باب التفاوض والتسويات، والتي بموجبها يتم إسقاط بعض الفوائد والغرامات، بناءً على التسوية مع الدائنين.
وقالت إن المشرع الإماراتي أتاح إجراءات يمكن اللجوء إليها حال توافرها قبل الوصول إلى الإفلاس والتصفية النهائية، بموجب أحكام المادة (56) من قانون إعادة التنظيم المالي والإفلاس، بتقديم المدين طلب افتتاح إجراءات التسوية الوقائية، بهدف مساعدة الشركات المتعثرة مالياً، وفتح المجال لإنجاح مساعي تسوية ديون الشركة وفق شروط وضوابط وضمانات حددتها فقرات المادة سالفة الذكر، ما يؤكد حرص المشرع على إتاحة الفرصة للمدين، إن كانت أعماله قابلة للاستمرار.
وأوضحت: من جهة أخرى، نرى أن القانون، وبموجب أحكام المادة (87)، مكّن من تقديم طلب افتتاح إجراءات إعادة الهيكلة، كإجراء يتخذ بناء على طلب المدين أو الدائنين أو الجهة الرقابية، يهدف إلى مساعدة المدين على الاستمرار في نشاطه التجاري، والوفاء بديونه، من خلال تطبيق خطة إعادة هيكلة الديون، والتي تعد أداة قانونية ومالية مهمة، تساعد الأفراد والشركات في تجاوز الأزمات المالية، وتحسين أوضاعهم الاقتصادية، تجنباً للتصفية والإفلاس، وحماية للأصول واستدامة الأموال، وتخفيفاً للفوائد المترتبة على الديون، علماً بأن نجاح إعادة هيكلة الديون من شأنه تحسين التصنيف الائتماني على المدى الطويل، إذا تمت عملية إعادة الهيكلة بشكل ناجح، وتمكّن المدين من الوفاء بالتزاماته.
تحديات
وحول وجود تحديات تواجه الشركات الصغيرة والمتوسطة عند تطبيق قانون إعادة التنظيم المالي والإفلاس، قالت: بالفعل، هناك تحديات تواجه الشركات الصغيرة والمتوسطة عند تطبيق قانون إعادة التنظيم المالي والإفلاس في الإمارات، وهي الإجراءات الخاصة بصغار المدينين، فإن تبيّن بعد جرد الأموال أن قيمتها لا تزيد على القيمة المحددة في اللائحة التنفيذية، يجوز للمحكمة أن تأمر بالسير في إجراءات التسوية الوقائية، أو إعادة الهيكلة أو إشهار الإفلاس، مع مراعاة تقصير المدد المحددة وفق القانون إلى النصف، كما يجوز عدم تعيين الأمين ولجنة الدائنين، ما لم تقرر محكمة الإفلاس خلاف أي مما سبق ذكره، والقرارات الصادرة غير قابلة للطعن فيها، ما لم يطعن في الاختصاص، أو فوات المواعيد المقررة قانوناً. وسلط القانون الضوء على مسألة إبراء ذمة المدين، من خلال تقديم طلب لإدارة الإفلاس، ما قد يتبقى عليه من ديون في تاريخ تقديم الطلب.
وعملياً، نرى أن شريحة من الدائنين قد يرفضون التعاون والتفاوض مع الشركات الصغيرة التي تم افتتاح إجراءات إفلاسها، وذلك لأسباب تعود لشكوك في تاريخها، أو قدراتها الإدارية، أو حتى في اسمها في السوق، على العودة للعمل، وتحقيق الأرباح المرجوة، ما يؤدي إلى عدم القدرة على الوصول إلى اتفاقات ودية أو تسويات، قد يجعل الإفلاس أكثر ضرراً على الشركة، ودائنيها تبعاً.
مؤشرات
وفي ما يتعلق بالقانون وتأثيره في ممارسة الأعمال، قالت: رفع قانون إعادة التنظيم المالي والإفلاس، تصنيف الإمارات في مؤشرات سهولة ممارسة الأعمال، وفقاً لآراء الخبراء، من حيث إرساء المبادئ القانونية والاقتصادية المتطورة، والتي توائم ما نشهده اليوم من نقلة نوعية وكمية، دفعت عجلة الاقتصاد الوطني، وبشكل يميز القانون الإماراتي عن نظيره من القوانين المختلفة في هذا المجال، ما يجعل الاقتصاد الوطني في المصاف العالمية الأولى، وعزز من الدور التنافسي للدولة. وفي الختام، وباستقراء التعديلات المقامة على قانون إعادة التنظيم المالي والإفلاس، نرى أن المشرع قد ملأ كفتي العدالة بين أطراف المديونية، للوصول إلى مراكز قانونية مستقرة، ومجرى عدالة لا خلاف عليه.
توصيات
وخلص المشاركون لعدد من التوصيات منها: زيادة الوعي بالآليات الوقائية، حيث ينبغي للشركات أن تتعرف إلى آليات التسوية الوقائية وإعادة الهيكلة، قبل الوصول إلى مرحلة الإفلاس. كما أوصوا بتعزيز دور المحاكم المتخصصة، حيث يجب إنشاء محاكم متخصصة في منازعات الإفلاس، لضمان سرعة الفصل في النزاعات.
كذلك أوصوا بالتدريب المستمر للأمناء والمراقبين، حيث يجب ضمان كفاءة ومهنية العاملين في مجال إدارة عمليات الإفلاس وإعادة الهيكلة. وأخيراً أوصوا بمراجعة دورية للتشريع، حيث يجب مواكبة التطورات العالمية في مجال تشريعات الإعسار المالي، لضمان استمرارية جاذبية البيئة الاستثمارية في الإمارات.
No Comment! Be the first one.