
قانون الانتخابات يحرك الساحة السياسية الراكدة في الجزائر
عاد قانون الانتخابات ليشغل المشهد العام في الجزائر ويحرك الساحة السياسية “الراكدة”، ويطرح تساؤلات حول النقاط التي استدعت فتح الملف، وتلك التي يجب تعديلها أو الحفاظ عليها وتقويتها. ومع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية المقررة في 2027، تناقش الطبقة السياسية مقترحات استعداداً لتقديمها إلى الحكومة بعد شهر من الآن.
الأغلبية تتحرك والمعارضة تواجه مشاكلها
وبينما تواصل الأحزاب التي توصف بالصغيرة “السبات” كالعادة، تنتظر المواعيد الانتخابية، وفي حين تبقى تلك المحسوبة على المعارضة تواجه مشاكلها الداخلية وتصدر بيانات انتقاد للحكومة وتنظم لقاءات لشرح مواقفها حول قضايا محلية ودولية، تتحرك التشكيلات السياسية “الموالية” التي تشكل أغلبية في البرلمان، لإيداع مسودة مقترحات حول مشروع قانون الانتخابات على طاولة الحكومة.
ودخلت أحزاب “جبهة التحرير الوطني” و”التجمع الوطني الديمقراطي” و”جبهة المستقبل” و”حركة البناء الوطني”، التي تشكل الأغلبية البرلمانية، في سباق مع الزمن من أجل تقديم تعديلات يمكنها تحسين العملية الانتخابية وترقية الممارسة الديمقراطية في البلاد، لا سيما بعد الاختلالات التي عرفتها مختلف الاستحقاقات.
ويعود قانون الانتخابات المعمول به حالياً إلى عام 2021، حيث صودق عليه في مارس (آذار) من نفس العام، وجاء معدلاً لقانون الانتخابات لعام 2016 خلال فترة حكم الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة.
أهم الاقتراحات
وبحسب ما تم تداوله، فإن أهم الاقتراحات المقدمة تتمثل في اعتماد رقم وطني في القائمة الانتخابية، وتحديد طبيعة الأوراق الملغاة، وألا تنفرد السلطات بمسألة التعديل الذي يجب أن يكون توافقياً ويأخذ بعين الاعتبار مقترحات الأحزاب السياسية، وتحسين البيئة القانونية الناظمة للعملية الانتخابية، وتنظيم حوار وطني يأخذ بعين الاعتبار تصحيح الاختلالات القانونية والتنظيمية المسجلة في الاستحقاقات السابقة.
كما طالبت أحزاب بإلغاء المادة 247 التي تشير إلى أنه “يعد تصريحاً بالترشح لرئاسة الجمهورية إيداع طلب تسجيل من قبل المترشح شخصياً لدى رئيس السلطة المستقلة مقابل وصل استلام”، إلى جانب اقتراح الاكتفاء بقرار يصادق عليه مجلس السلطة المستقلة في تحديد شروط وكيفيات ضبط البطاقية الوطنية للهيئة الناخبة واستعمالها، إضافة إلى وضع قوائم الناخبين أمام المواطنين بمقرات السلطة المستقلة ومقرات البلديات أو الولايات ومقرات البعثات الدبلوماسية أو القنصليات الجزائرية بالخارج، على أن تُنشر هذه القوائم بالموقع الإلكتروني الخاص بالسلطة المستقلة أو بأي طريقة أخرى تضمن إعلام المواطنين، وكذلك إلزامية نشر محاضر الفرز لمكاتب التصويت على الموقع الإلكتروني للسلطة المستقلة، وتمكين المرشحين من الولوج إليها بكل حرية وفي أي وقت قبل الإعلان النهائي عن النتائج.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الرؤى تختلف باختلاف المصالح
في السياق، يعد الباحث في علم الاجتماع السياسي دحو بن مصطفى، في تصريح لـ”اندبندنت عربية”، أن الرؤى حول قانون الانتخابات تختلف باختلاف مصالح الأحزاب وتركيبتها وماضيها السياسي، و”في حدود معرفتي بالقانون هناك مسألتان تثيران النقاش، تتعلق الأولى بتحديد التمثيل البرلماني بعهدتين متتاليتين أو منفصلتين، وهذا تعده بعض الأحزاب مخالفاً للقرار الديمقراطي الشعبي الذي تعود إليه مسألة تجديد الثقة من عدمها في المنتخب، بدلاً من اعتماد إجراء إداري وقانوني مانع للترشح”.
أما المسألة الثانية، فترتبط بالمادة 200 التي تقصي المترشح على أساس تقرير يُحرر بناء على اشتباه أو تهمة فساد، ذلك أن المادة تشدد على ألا يكون مشهوداً له لدى العامة بالصلة بالمال الفاسد، يضيف بن مصطفى الذي أوضح أن “الأحزاب تعتقد أن هذه المادة تحتمل التأويل وقد تُستخدم بطريقة تعسفية لإقصاء بعض المترشحين كما حصل في الانتخابات التشريعية وانتخابات التجديد النصفي لمجلس الأمة”. وقال إن القانون يحتاج أصلاً إلى تعديل من أجل مطابقته مع قانوني البلدية والولاية الجاهزين لعرضهما على البرلمان خلال السنة التشريعية القادمة، وما حملاه من تغيير في كيفيات انتخاب رؤساء المجالس الشعبية البلدية والولائية، خلافاً لما هو مقرر في قانون الانتخابات.
ويتابع الباحث أن هناك أحزاباً تعترض على شرط نسبة حاملي الشهادات في القوائم، ذلك أن بعض قواعدها تمتلك الشعبية لكنها لا تمتلك المؤهل العلمي، وأخرى ترفض إلزامية نسبة 50 في المئة من الشباب في القوائم، وأيضاً 50 في المئة من النساء، إضافة إلى مطالب بالعودة إلى نظام القائمة المغلقة، أي التصويت على القائمة بدلاً من نظام القائمة المفتوحة التي تعتمد التصويت على المترشح. أضف إلى ذلك فرض سقف مالي لتمويل الحملات مع رقابة مالية صارمة في التمويل يفرضها القانون، تحرم الأحزاب من الحصول على تمويل من أصحاب المال بهدف فصل المال عن السياسة.
القانون الحالي
من أهم ما نص عليه هذا القانون الحالي، المكوّن من 310 مواد، إبعاد تأثير المال السياسي الفاسد عن الانتخابات، وفسح المجال للشباب والمجتمع المدني في صناعة القرار. كما منح “السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات” صلاحيات تنظيم الانتخابات ومراقبتها والإعلان عن نتائجها، بعدما كانت تراقبها فقط وفق الدستور السابق.
إضافة إلى ذلك، نص القانون على إنشاء لجنة لمراقبة تمويل حسابات الحملات الانتخابية والاستفتائية، تعمل تحت وصاية “السلطة المستقلة” من أجل مراقبة مصادر تمويل المترشحين والأحزاب في مختلف المواعيد الانتخابية. وقد حظر القانون على “كل مترشح أن يتلقى، بصفة مباشرة أو غير مباشرة، هبات نقدية أو عينية أو أي مساهمة أخرى، مهما كان شكلها، من أي دولة أجنبية أو أي شخص طبيعي أو معنوي من جنسية أجنبية”.
وفي ما يتعلق بالعقوبات، فيصل بعضها إلى السجن 20 عاماً، لا سيما في حال تخريب صناديق الاقتراع أو سرقتها، كما يتضمن عقوبات جزائية ضد أية محاولة للتأثير على الناخبين عبر تقديم “هبات، نقداً أو عيناً، أو وعد بتقديمها، وكذلك كل من وعد بوظائف عمومية أو خاصة، أو بمزايا أخرى خاصة”، والسجن بين ثلاثة أشهر وسنة لكل من يحاول التأثير على ناخب عبر تهديده.
إلى ذلك، يرى الناشط السياسي السعيد بن رقية، في حديث مقتضب لـ”اندبندنت عربية”، أن قانون الانتخابات قوي بنصوصه التي عالجت مختلف الثغرات التي كانت موجودة، لكن يبقى المشكل في العامل البشري، وقال: لا يجب أن تخضع القوانين لرحمة الأشخاص الذين يمارسون التعسف لتعطيل القوانين وهضم حقوق الناس وتصفية الحسابات، مشدداً أن هناك تحفظات على بعض المواد مما يستدعي مراجعتها وتعديلها في سياق ترقية الممارسة الديمقراطية.
No Comment! Be the first one.