
قانون تنظيم ملكية الدولة.. تمرير مراجعة الصندوق بـ«طبيخ الخصخصة البايت»
تزامنًا مع المفاوضات الجارية مع صندوق النقد الدولي، ضمن المراجعة الخامسة للاتفاق الحالي، تسعى الحكومة إلى تمرير مشروع قانون «تنظيم بعض الأحكام المتعلقة بملكية الدولة في الشركات المملوكة لها أو التي تساهم فيها»، المرتبط بتنفيذ وثيقة سياسة ملكية الدولة، المرتبطة بدورها ببرنامج الخصخصة، وذلك عبر عملية وصفها عضو لجنة استشارية تابعة لمجلس الوزراء بأنها «تسخين طبيخ بايت».
يقوم مشروع القانون، الذي اطلع عليه «مدى مصر»، على تأسيس وحدة مركزية في مجلس الوزراء لـ«حصر ومتابعة الشركات المملوكة للدولة»، ترفع توصياتها إلى مجلس الوزراء ومجموعته الاقتصادية. وتختص هذه الوحدة بقائمة طويلة من المهام، على رأسها «العمل على تنفيذ سياسة ملكية الدولة وفق توقيتات ومستهدفات محددة، وتذليل كافة التحديات التي تواجه تحقيق تقدم في هذا الصدد»، بحسب المادة السادسة من المشروع.
وتنظم وثيقة سياسة ملكية الدولة، الصادرة في 2022، تخارج الدولة وكياناتها من القطاعات الاقتصادية التي لا تمثل «عملًا أصيلًا» لها، وتشمل القطاعات التي يعزف القطاع الخاص عن الدخول فيها، بما يحقق «وفورات مالية تمكن من دعم أوضاع الموازنة العامة»، تبعًا للوثيقة، التي حددت ثلاثة توجهات للتعامل مع ملكيات الدولة: التخارج خلال ثلاث سنوات، استمرار التواجد مع التثبيت أو التخفيض، استمرار التواجد مع التثبيت أو الزيادة.
بحسب مشروع القانون المُحال إلى مجلس النواب، تشرف وحدة الحصر والمتابعة على وضع برامج لـ«تنظيم» كل ممتلكات الدولة، على أن تشمل آليات هذا التنظيم -وفقا للمادة السادسة- بالنسبة للشركات المملوكة للدولة «التصرف بالبيع، بما في ذلك أساليب الطرح في الأسواق الأولية والثانوية، وزيادة رأس المال، وتوسيع قاعدة الملكية، والتقسيم والاندماج». أما في حالة الشركات التي تساهم فيها الدولة، فيقتصر التنظيم على التصرف بالبيع في الأسهم أو الحصص أو حقوق التصويت.
كما ينص المشروع على التزام السلطة المختصة في الجهة المالكة بموافاة الوحدة بكل المعلومات والبيانات التي تطلبها، بما في ذلك إحاطتها علمًا بخطط وسياسات إعادة الهيكلة، وجميع البيانات المتعلقة بالتدفقات النقدية المخططة والفعلية، والأداء المالي لهذه الشركات.
وتنص المادة الخامسة من القانون على إجراءات يحق للوحدة اتخاذها لتنفيذ برامج التنظيم في الشركات المملوكة للدولة والتي تساهم فيها، تتكرر فيها الإشارة إلى الخصخصة ودور القطاع الخاص، مثل: «اقتراح النهج الأمثل لتشجيع مشاركة القطاع الخاص على مستوى الأنشطة والقطاعات الاقتصادية»، وحصر الشركات المملوكة للدولة أو التي تساهم فيها وإعداد قاعدة بيانات شاملة لها، وتحديثها أولًا بأول، وتحديد جدوى استمرار ملكية الدولة لتلك الشركات أو مساهمتها فيها، وتحديد آلية التخارج الأنسب من الشركات التي ترى الوحدة عدم استمرار ملكية الدولة أو مساهمتها فيها بحسب القطاع الاقتصادي أو الاستثماري الذي تنتمي إليه هذه الشركات.
كما يحق للوحدة تحديد الشركات التي تساهم فيها الدولة والتي يتقرر بيع أسهمها أو حصصها أو طرحها في البورصة كليًا أو جزئيًا، وتحديد نسبة المساهمة التي يشملها البيع أو الطرح، واعتماد اختيار بنوك الاستثمار ومستشاري الطرح العام والمستشارين الماليين بالتنسيق مع السلطة المختصة في الجهة المالكة.
وينص المشروع كذلك على أن يصدر -بناءً على عرض الرئيس التنفيذي للوحدة، وبعد موافقة مجلس الوزراء-، قرارًا بآليات معالجة العمالة الزائدة في الشركات المملوكة للدولة، مع مراعاة أن يكون تمويل التكلفة المالية المترتبة على هذه الآليات دون تحميل الموازنة العامة للدولة أي أعباء.
وفي إطار تنفيذ سياسة ملكية الدولة، يفرض القانون قيودًا على توسع الدولة في ملكيتها، من خلال النص على ضرورة حصول جهات الدولة على موافقة كتابية مسبقة من الوحدة قبل السير في إجراءات تأسيس أو المساهمة في أي شركة يكون غرضها الرئيسي نشاط أو أكثر من الأنشطة التي يتقرر تثبيت استثمارات الدولة فيها طبقًا لوثيقة سياسة ملكية الدولة. كما يحظر المشروع تأسيس أو المساهمة في أي شركة يكون غرضها الرئيسي نشاط أو أكثر من الأنشطة التي يتقرر التخارج منها كلية أو خفض استثمارات الدولة فيها، طبقًا لـ«الوثيقة».
أحد أعضاء اللجنة الاستشارية للاقتصاد الكلي التابعة لمجلس الوزراء اعتبر أن توقيت إصدار القانون يشوبه التسرع، كـ«تسخين طبيخ بايت بقالُه سنة»، في محاولة لتقديم ما يشبه إجراءات شكلية ترضي صندوق النقد وتسهم في نجاح مفاوضات المراجعة الخامسة، حسبما قال لـ«مدى مصر».
كان مجلس الوزراء وافق على مشروع القانون في مايو من العام الماضي، قبل أن تبدأ اللجنة الاقتصادية بمجلس النواب في مناقشته الأحد الماضي، في جلسة من دون صحفيين، انتهت بالموافقة عليه وإحالته إلى الجلسة العامة.
سبق وأشار صندوق النقد إلى مشروع القانون ضمن إجراءات الإصلاح الهيكلي، موضحًا أن الهدف منه هو «منح العناصر الرئيسية في سياسة ملكية الدولة قوة واستمرارية قانونية»، بحسب تقرير المراجعة الثالثة لبرنامج مصر مع صندوق النقد، المنشور في أغسطس الماضي، في حين لم يُنشر بعد تقرير المراجعة الرابعة.
المصدر السابق، الذي طلب عدم ذكر اسمه، اعتبر أن الهدف من تمرير القانون هو «التعبير الشكلي عن اتخاذ إجراءات معينة بلا أهمية لجوهر المشروع»، في ظل التضارب بين دور اللجنة الجديدة وأدوار: صندوق الثروة السيادي، ووزارة قطاع الأعمال العام، وبنك الاستثمار القومي، «الجهات الثلاث تدير على نحو ما أملاكًا تابعة للدولة»، على حد قوله.
في المقابل، قال عضو اللجنة الاقتصادية في مجلس النواب، محمود الصعيدي، والذي شارك في مناقشات مشروع القانون، لـ«مدى مصر» إنه لا يرى تضاربًا بين دور الوحدة الجديدة ودور الصندوق السيادي، بل إن «الوحدة في إطار أدوارها المتعددة قد توصي بنقل تبعية أحد الأصول للصندوق السيادي بعد دراسة بيانات هذا الأصل أو ذاك»، على حد قول نائب «مستقبل وطن».
من ناحية أخرى، أشار عضو ثانٍ في اللجنة الاستشارية التابعة لمجلس الوزراء إلى «الغموض المحيط بدور الوحدة الجديدة والهدف الحقيقي منها، خاصة أن لجنة حكومية بنفس الاختصاص تقريبًا تأسست منذ فترة بقرار إداري دون الحاجة إلى قانون، وهي قائمة بالفعل وتتبع مجلس الوزراء أيضًا»، في إشارة إلى «اللجنة العليا لتنفيذ وثيقة ملكية الدولة» التي أعلن رئيس الوزراء عن تشكيلها في ديسمبر 2022.
الأستاذ المساعد للاقتصاد السياسي في الجامعة الأمريكية بالقاهرة، عمرو عادلي، رأى أن هذا التعارض والتضارب بين دور واختصاصات الصندوق السيادي والوحدة الجديدة ليس أمرًا استثنائيًا، في ظل اعتياد الجهاز البيروقراطي المصري على ممارسات تتجاور فيها وحدات بيروقراطية مختلفة على نحو تتكرر معه الأدوار، مضيفًا: «لنأخذ مثالًا على ذلك؛ جهاز تخطيط أراضي الدولة [المركز الوطني لتخطيط استخدامات أراضي الدولة] والذي تتشابه اختصاصاته وتتضارب مع اختصاصات هيئة التنمية الصناعية وهيئة التنمية السياحية وهيئة المجتمعات العمرانية».
بخلاف التضارب في اختصاصات الوحدة التي ينشئها، تضمن مشروع القانون استثناءً واسع النطاق من أحكامه، بما في ذلك لـ«الشركات التي تباشر أغراضًا ذات بُعد قومي أو استراتيجي، التي يحددها قرار من مجلس الوزراء بناءً على عرض مشترك من الوزير المعني والسلطة المختصة في الجهة المالكة»، بحسب نص القانون الذي لم يشمل أي تعريف للبعد القومي والاستراتيجي.
هذا الاستثناء الذي لا يتضمن معايير واضحة يفرغ القانون من مضمونه حسبما اتفق عضوا اللجنة الاستشارية للاقتصاد الكلي، اللذان تحدثا مع «مدى مصر»، واعتبره أولهما: «تعبيرًا إضافيًا على أن الحكومة لا تستهدف من وراء إصدار القانون تنفيذه، وإنما فقط التأكيد لصندوق النقد على أنها تنفذ قائمة المهام المطلوبة منها»، على حد تعبيره.
عادلي من جانبه رأى أن هذه الاستثناءات واسعة النطاق تؤكد أن الهدف من القانون ليس قناعة الحكومة بضرورة تخارج الدولة من النشاط الاقتصادي، وتقليص دورها فيه على نحو يتوافق مع قناعات صندوق النقد التي يعبر عنها مرارًا في بياناته، وإنما تستهدف الحكومة فقط محاولة تحقيق وفورات مالية من بعض أصولها تعوض بها عجزها عن زيادة الحصيلة من الضرائب، لكن دون التخلي عن الكثير من أصولها التي تريد الاستمرار في السيطرة عليها.
وفي المقابل، بررت المذكرة الإيضاحية لمشروع القانون هذا الاستثناء بأن «التعامل على هذه الشركات أو تقرير التخارج منها من عدمه، وبالنظر إلى حساسية أغراضها، قد يتطلب الخوض في اعتبارات تمس الأمن القومي أو قد يستلزم مستوى أعلى من مستويات صنع القرار».
كما شملت الاستثناءات «الشركات المنشأة تنفيذًا لاتفاقيات دولية، والشركات المسماة في قوانين خاصة تنظم أغراضها أو هيكل ملكيتها، ومساهمات شركات التأمين المملوكة للدولة في رؤوس أموال أي من الشركات».
وبحسب القانون، يرأس وحدة الحصر والمتابعة الجديدة رئيس تنفيذي متفرغ من ذوي الخبرة والكفاءة في الاستثمار والشركات وإدارة المشروعات الاقتصادية، يعاونه عدد من الخبراء والمتخصصين في هذه المجالات، ويلتحق بها عدد من العاملين من ذوي المؤهلات والخبرات المالية والفنية والقانونية يتم تعيينهم بطريق التعاقد أو الندب من الجهات الإدارية، ويصدر رئيس مجلس الوزراء قرارًا بالهيكل التنظيمي لها، بناءً على عرض الرئيس التنفيذي للوحدة، وبعد أخذ رأي الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة، «دون التقيد بالنظم والقواعد الحكومية المعمول بها».
الصعيدي اعتبر أن هذا النص يستهدف التجاوز عن عدد من القواعد الحكومية التي قد لا تتناسب مع تعيين كفاءات وخبرات عالية في هذه الوحدة، «على الأخص مثلًا الحد الأقصى للأجور في الجهات الحكومية».
تزامُن إحياء الحكومة للقانون الجديد، مع المراجعة الخامسة لبرنامج مصر مع صندوق النقد، يأتي استمرارًا لارتباط «سياسة ملكية الدولة» مع اتفاق مصر والصندوق.
كانت وثيقة سياسة ملكية الدولة صدرت عقب إعلان الحكومة في نوفمبر 2021 عن نتائج دراسة، لم تكشف نصها، قالت إن مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار أعدها حول خطوات تعزيز توجه الدولة نحو دعم ومساندة القطاع الخاص، وأشارت إلى ضرورة «تحديد القطاعات الرئيسية التي ستستمر بها الدولة، والقطاعات التي ستخرج منها، والقطاعات التي سيتم الخروج التدريجي منها، إلى جانب إعادة إصلاح القطاع العام من خلال الإبقاء على الشركات الكبرى في القطاعات الاستراتيجية والأكثر أولوية، والتخلي عن الشركات في القطاعات الأقل أولوية»، بحسب بيان الحكومة وقتها.
نتائج الدراسة المشار إليها تطابقت في مضمونها مع ما ورد في تقرير المراجعة الثانية لقرض الصندوق، الصادر قبل أربعة أشهر من البيان الحكومي، والذي أوصى صراحة بـ«تحديد سياسة واضحة لملكية الدولة: [إذ] يجب أن يبدأ إصلاح قطاع الشركات المملوكة للدولة بتطوير سياسة الملكية لتعزيز المساءلة والشفافية، وتحديد القطاعات التي ينبغي أن تتواجد بها الدولة كجزء من التزاماتها نحو الخدمات العامة، وتنفيذ تدابير تعزيز الأداء [في هذه القطاعات]. هذا من شأنه تمكين انسحاب الدولة من القطاعات الأخرى».
No Comment! Be the first one.