عضل الولي و«كواليس» القانون – المشاهد نت
تعز – معاذ مدهش
لا تجد “سماح” -في أواخر الثلاثينيات- تفسيرًا لرفض والدها تزويجها بعد ان تخرجت وصارت معلمة.
“رفض تزويجي للمرة الثانية دون سبب مقنع”.. تقول سماح.
وتضيف: “قرار والدي لم يؤثر فيّ بقدر ما أثرت الأقاويل التي نسجها الناس حوله، منها أن رفضه جاء طمعًا في مرتبي”.
والأسوأ من ذلك أن سماح اكتشفت صدق تلك الأقاويل حين حدثت مشادة كلامية بينها وبين والدتها، فرد عليها بالقول: “بنتي بيّاضة، يشتوا يتزوجوها عشان بيضها” (تعبير شعبي يقصد به راتبها الوظيفي).
معايير الآباء
بينما يحرص اليمنيون على تزويج بناتهم حال كونهن قادرات على تحمل مسئوليات الزواج؛ يعمد بعضهم إلى تزويجهنّ في سن مبكرة، أي قبل بلوغها السن القانونية للزواج.
وفي المقابل لا يجد آباء آخرون أية مشكلة في رفض الخُطاب ومنع بناتهم من الزواج حتى إن كنّ بلغنّ السن القانونية.
وفي حين أنه من الطبيعي رفض الزواج مالم يكن متكافئًا أو مناسبًا بناءً على أسباب ومعايير يراها الآباء غير مستوفاة او غير مقبولة.
كأن يطمع المتقدم في راتب الفتاة التي يطلبها للزواج، أو لضرورة زاوج الكبرى قبل الصغرى، أو تفضيل زواج البنت من ابن خالها أو ابن عمها، يرفض البعض الموافقة على تزويج بناتهم لأسباب غير واضحة حينًا وأخرى قد لا تبدو منطقية.
وإذا كان من المعروف في مختلف القضايا أن يلجأ المتضرر إلى القضاء، فإن الأمر الأكثر تعقيدًا في هذا النوع من القضايا؛ نتيجة الالتباس الحاصل في النصوص القانونية ذاتها، التي يفترض أن تكون تامة الوضوح وكلمة فصل يعود إليها الناس، ويأتي قانون الولاية على النساء، في مقدمة تلك القوانين الملتبسة.
قيود التقاليد والجهل بالقانون
وحين سألنا “سماح” حول ما إذا كانت لجأت إلى المحكمة للبحث عن حل وفقًا للقانون، خاصة أنها امرأة متعلمة وربما تكون مدركة للقوانين، جاء ردها بصيغتين تعكس كل منهما مرارة اشد من الأخرى.
الصيغة الأولى بيّنت خوفها من الأسرة والتقاليد، “لو لجأت للمحكمة بيكون آخر يوم لي بالدنيا، برجع بكفن بدل الفستان”.
في حين أوضحت الثانية نظرتها للقوانين، “المحاكم حقنا مثل بعض المدرسين، يدرسك شي ويختبرك بشي ثاني”، تقول سماح.
ولمعرفة أسباب قلة ثقة الفتيات المعضولات بإنصافهن من خلال القانون كان لابد لنا من الذهاب الى خبرائه والعاملين في مجاله.
مفهوم العضل
نقصد بالمعضولات هنا تلك الفتيات اللواتي يحول الولي دون تزويجهن وفي ذلك يعتبر الاختصاصي القانوني والمحامي، “أسامة الأصبحي”، أن القانون اليمني جعل للمرأة الأحقية في رفع دعوى عضل الولي في حال امتناع وليها العقد بها من رجل يُشهد له بالكفاءة وحسن الخلق.
ويعرف (عضل الولي) بأنه “مصطلح فقهي وقانوني يشير إلى قيام الولي بمنع المرأة التي تقع تحت ولايته من الزواج، دون وجود سبب شرعي أو مبرر معقول للمنع، وفي حال امتناعه تلجأ المرأة إلى القاضي لتزويجها وفقًا للقانون”.
قارب نجاة مثقوب
يمنح القانون اليمني في ظاهره المرأة حق التملص من ولاية أبيها، حيث يمكنها اللجوء إلى القاضي لتزويجها، لكن امام القانون نفسه تحديات صعبة أبرزها “العُرف”.
يُجرّم العُرف ذهاب الفتاة إلى القاضي، وبعبارة صريحة “كيف تتجرأ على إدانة والدها”، وإن فعلت فلن يكون مصيرها أبعد بكثير من مصير “سميحة الأسدي” التي قتلت عام 2018، غربي أمانة العاصمة صنعاء، على يد أخيها أمام القاضي بعد رفعها دعوى عضل ولي.
ويُبيّن الأصبحي التناقض بين القانون المدني وقانون الأحوال الشخصية، بالقول: “قانون الأحوال الشخصية اليمني تناول موضوع الولاية بشكل معقد، واستند إلى التشريعات الدينية في المقام الأول، بإجماع أغلب المذاهب في اليمن، التي تنص على عدم إجازة زواج المرأة دون إذن ولي أمرها حتى وإن كانت ثيبًا، بل وحتى لو كانت متعلمة وذات مستوى عالِ من التعليم”.
ويوضح الأصبحي: “يظهر التناقض جليًا في المادة “16” من قانون الأحوال الشخصية اليمني التي تنص على أن “ولي عقد الزواج هو الأقرب فالأقرب على الترتيب: الأب وإن علا، ثم الابن وإن سفل، ثم الإخوة، ثم أبناؤهم، ثم الأعمام، ثم أبناؤهم، ثم أعمام الأب، ثم أبناؤهم، ويُقدم من تكون قرابته لأب وأم”.
ويواصل: “وإذا تعدد من هم من درجة واحدة كانت الولاية لكل منهم، ويصح عقد من سبق منهم مع رضاها به، ويبطل عقد من تأخر وإذا عقدوا لأكثر من شخص واحد في وقت واحد، وأشكل ذلك بطل العقد، إلا إذا ارتضت هي أحد هذه العقود صح وبطل غيره”.
تعقيدات القانون والتباسه لا يعني أنه غير مفعّل أو غير قابل للتطبيق، فخلال مسيرته العملية في مجال المحاماه يذكر الأصبحي قصة من تجاربه: “شخصيًا توليت قبل سنوات قضية امرأة رفض والدها تزويجها، رفعنا به إلى المحكمة، وبعد أن تم استدعاؤه ورفضه المجيء أكثر من مرة، تولى القاضي أمر تزويجها وفقًا للقانون”.
ويضيف الأصبحي هامسًا: “هذه تعتبر من القضايا السرية التي لا نفصح عنها لحساسيتها في مجتمعنا اليمني”
أسباب عميقة
إصرار بعض الآباء عدم تزويج بناتهم لا يشترط أن يكون أنانية واعية، بحسب الاختصاصي النفسي “رمز أزهر”، الذي يُعيد دوافع الرفض إلى واحد أو أكثر من الأسباب النفسية العميقة.
يقول أزهر: “رفض بعض الآباء فكرة زواج بناتهم قد يكون ناتجًا عن أسباب نفسية غير واعية، كالتعلق العاطفي الزائد، حيث يكون هناك ارتباط أبوي قوي بين الأب وابنته، وهذا يجعل فكرة ابتعادها عنه صعبة نفسيًا ويغدو المنزل موحشًا في نظره إن غابت عنه، كما يمكن أن يأتي الرفض ترجمةً لرفض التغيير وليس الزواج في ذاته”.
موضحًا: “الزواج يُعد تغييرًا كبيرًا في حياة البنت، لذا قد يشعر بعض الآباء بعدم الارتياح لهذا التغيير ويخشون على بناتهم منه”.
ويضيف أزهر: “هناك أيضا آباء يميلون إلى العقلانية المفرطة، حيث يخشون من احتمال عدم نجاح الزواج، ما يدفعهم إلى رفض الفكرة لتجنب الألم المحتمل”.
ثمة احتمال آخر أكثر شيوعًا من نظر أزهر، حيث يكون للأب تجارب سلبية سابقة لناحية الزواج أو العلاقات، ما ينعكس سلبًا على رؤيته لزواج ابنته.
وفوق هذا وذاك تأتي الأسباب النرجسية، حيث يرفض بعض الآباء تزويج بناتهم في هذه الحالة بدافع السيطرة والتحكم، إذ يرغبون في الاحتفاظ بالتسلط على قرارات بناتهم، ما يجعلهم يرفضون فكرة تزويجهن.
حقوق منقوصة
مع حصولها على الحق في التعليم وتخفيف قيود الأسرة حول هذا الحق بمرور الأيام ظنت الفتاة اليمنية أنها تضع قدمها على أول طريق السعادة والاستقلال.
غير أن ذلك لم يحدث كما تفيد بعض الوقائع وفقًا للناشطة رؤى السامعي، حيث تقول: “يُفترض أن يكون الزواج بابًا للسعادة والفرح، لكن للأسف، تتحول هذه اللحظة الجميلة إلى كابوسٍ مُرٍّ بالنسبة لبعض الفتيات اللواتي يواجهن رفضًا قاطعًا من قبل آبائهن بشأن تزويجهن”.
تعتبر السامعي أن الطمع في راتب الفتاة بات من أبرز الأسباب التي تدفع بعض الآباء الى رفض تزويج بناتهم.
وأضافت: “في مجتمعنا، ما تزال بعض العائلات تعتبر المرأة مصدرًا للَدخل الحصري او مولودة للخدمة، فتُفضل ابقائها في المنزل لنيل راتبها إن كانت موظفة ولتغطية خدمة الأسرة ان لم تكن كذلك وقد يجتمع الحالين معا”.
السامعي تابعت: حتى على مستوى اختيار الشريك هناك أساليب كثيرة لتبرير حرمان الفتاة من ذلك الحق، وتكوين أسرة مستقلة، كـ”ضرورات” ما تستدعيه تقاليد القبيلة والعشيرة، أو مواصفات الطبقة الاجتماعية أو غيرها من القيود والعوائق التي يتم اللجوء إليها لحرمان الفتاة من نيل حقها في اختيار شريك حياتها.
“الوعي أول الطريق”.. تقول السامعي التي ترى أن تغيير النظرة المجتمعية ناحية الفتاة، وتعزيز حقها في اختيار شريك حياتها والتعبير عن رغبتها بالزواج، حاجة وضرورة ولا بد لنخبة المجتمع والمنظمات المدنية والقانونيين إيجاد طريقة تجعل تلك الحقوق قابلة للتفعيل.
لافتةً إلى أن حساسية هكذا قضايا في مجتمع محافظ تعد واحدة من العوائق الأكثر صعوبة امام الفتاة.
————————
تم حجب اسم الفتاة عملًا بحق الصحفي في حماية مصادره.
————————
تم إنتاج هذه المادة ضمن مشروع تعزيز أصوات النساء من خلال الإعلام الذي ينفذه مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي.
No Comment! Be the first one.