الإبادة الإسرائيلية بغزة رسخت حقائق لن تغيب
جدول المحتويات
ليث الجنيدي/ الأناضول
أستاذة القانون الدولي في جامعة كنت بالمملكة المتحدة شهد الحموري للأناضول:
– ما لن ننساه هو اللحظة القوية التي كنا فيها أمام إسرائيل بمحكمة العدل الدولية لكي نتهمها بأخطر الجرائم
– لن ننسى تفسيرات بعض الدول الواهية للقانون الدولي كالادعاء أن إسرائيل لها الحق بالدفاع عن نفسها
– إسرائيل لم ترتكب فقط الإبادة في غزة، لكنها ارتكبت عدداً هائلاً من الجرائم الكلاسيكية المرتبطة بالاستعمار
عام مضى على حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية في قطاع غزة، دون أن يحرك العالم ساكناً تجاه دولة تجد نفسها فوق كل القوانين واحتلالها بالأساس لأراضي عام 1967 غير شرعي، ما رسخ “حقائق لن تغيب” وفق ما تقوله شهد الحموري أستاذة القانون الدولي في جامعة كنت بالمملكة المتحدة.
الإبادة الجماعية التي بدأت في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 أطاحت بكل المفاهيم الإنسانية، ولم يسلم منها لا البشر ولا الحجر، دُمرت فيها كل مقومات الحياة، وبات الأحياء من أهل غزة العزّل ينتظرون مقتلهم بغارة إسرائيلية، من غير رادع يضع حداً لوحشية لم يشهد لها العالم مثيلا.
** غياب شرعية المحتل
وتقول الحموري، إن “ما لم يغب عن الجميع هو الاعتراف القانوني الصريح بغياب أي شرعية للمحتل في فلسطين على حدود عام 1967، أي أن الاحتلال بكافة أوجهه هو احتلال غير قانوني”.
وأضافت: “نحن كنا نعلم هذا الشيء منذ أكثر من 75 عاما، لكن القانون الدولي أخذ كل هذه المدة للوصول إلى هذه النتيجة، وهنا نتحدث فقط في النطاق الضيق للضفة الغربية وغزة”.
وأرجعت ذلك “لأن القانون الدولي هو مجرد أداة أخرى للسياسة، يستخدم حيناً لتنميط علاقات القوة وحيناً لتحديها”.
أكدت محكمة العدل الدولية، في رأيها الاستشاري الصادر في 19 يوليو/ تموز الماضي، قانونيا أن إسرائيل تنتهج سياسة الاحتلال والاضطهاد ضد الشعب الفلسطيني ويجب أن تنهي – دون إبطاء- وجودها غير القانوني في الأرض الفلسطينية المحتلة (عام 1967) في غضون مدة أقصاها 12 شهرا من تاريخ “اتخاذ القرار”.
وأشارت الحموري، إلى أنه “بالرغم من الاعتراف بعدم قانونية الاستعمار كمبدأ أساسي يحكم العلاقات ما بين الدول في ستينات وسبعينيات القرن الماضي، إلا أنه لم يكن هناك الجلد القانوني أو النية السياسية بالاعتراف بشكل الاستعمار أو كيف يتجلى الاستعمار من أشكال الاضطهاد السياسي والاقتصادي والاجتماعي وغيره”.
وتابعت “بالتالي كنا أمام مهمة لكي نفتح أعين المجتمع الدولي بغية إطلاق المسميات الصحيحة على الواقع الذي نراه”.
واستهجنت الحموري لحظة بينت بأنها لا تنساها، وهي عندما علقت امرأة من المجتمع المدني الإسرائيلي، بقولها: “نحن متفاجئون من قرارات محكمة العدل الدولية لا نعلم من أين آتت”.
** “العدل الدولية” والإبادة بغزة
في 26 يناير/ كانون الثاني 2024 أمرت محكمة العدل الدولية باتخاذ تدابير مؤقتة في القضية التي رفعتها جنوب إفريقيا ضد إسرائيل بأنها تنتهك الاتفاقية الدولية لمنع الإبادة الجماعية.
وشملت القضية مطالبة إسرائيل بمنع الإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين في غزة، وبضمان توفير الخدمات الأساسية والمساعدات الإنسانية، ومنع ومعاقبة التحريض على ارتكاب الإبادة الجماعية.
وفي 28 مارس/ آذار 2024 أصدرت محكمة العدل الدولية قرارا ينص على إضافة تدابير أخرى للإجراءات المؤقتة التي طلبتها جنوب إفريقيا في قضيتها ضد إسرائيل.
وشملت التدابير المؤقتة الإضافية التي تضمنها قرار المحكمة أنه على إسرائيل، وفقا لالتزاماتها بموجب اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، وفي ضوء الظروف المعيشية المتدهورة التي يواجهها الفلسطينيون في غزة، لا سيما انتشار الجوع الحاد والمجاعة الوشيكة، اتخاذ جميع التدابير اللازمة والفعالة لضمان إدخال المساعدات إلى قطاع غزة، دون تأخير وبالتعاون الكامل مع الأمم المتحدة.
وفي 24 مايو/ أيار 2024 أصدرت محكمة العدل الدولية قرارا يطالب إسرائيل بالوقف الفوري لهجومها العسكري الذي بدأته في 6 من الشهر نفسه على مدينة رفح جنوب قطاع غزة وأي عمل آخر فيها، إلا أن قرارات المحكمة لم تنفذها إسرائيل.
وقالت الحموري: “ما لن ننساه هو اللحظة القوية التي كنا فيها أمام إسرائيل بمحكمة العدل الدولية لكي نتهمها بأخطر الجرائم، لنذكرها أمام العالم أنها دولة مبنية على الإبادة والاستعمار الاستيطاني”.
وزادت: “لن ننسى اللحظة التي جاء فيها القرار الذي أكد على أن ما يحصل في فلسطين هو إبادة، وهو بحد ذاته شيء مهم جدا”.
ومضت الحموري: “لكن الأكبر من هذا، أن إسرائيل لم ترتكب فقط الإبادة في غزة، لكنها ارتكبت عدداً هائلاً من الجرائم التي جاءت كجرائم كلاسيكية مرتبطة دائما بالاستعمار”.
وقالت: “ولن ننسى إنكار المجتمع الدولي للواقع، ولن ننسى عندما وقف المجتمع الدولي وأنكر واقع ما يحصل على الأرض في غزة وفي الضفة الغربية، ولن ننسى إنكارهم حتى للقانون الدولي الذي هم كانوا من أسسوه”.
وبموازاة حرب الإبادة على قطاع غزة وسع الجيش الإسرائيلي عملياته، كما صعد المستوطنون اعتداءاتهم في الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، ما أسفر عن 742 قتيلا، ونحو 6 آلاف و200 جريح.
واستدركت الحموري: “لن ننسى قبول المجتمع الدولي لسرديات مبنية على فرضية براءة الإسرائيلي واجرام الفلسطيني، لن ننسى إغفاله المقصود للعنصرية”.
واستطردت: “لن ننسى أيضا تفسيراتهم الواهية للقانون الدولي، كالادعاء مثلا أن إسرائيل لها الحق بالدفاع عن نفسها، وهو ادعاء لو قاله أحد طلبتي لفشل في الامتحان؛ لأنه لا يوجد أسس لإسرائيل أن تدعي أن لها حق الدفاع عن نفسها على أرض هي تستعمرها وتحتلها، فلن ننسى نكران المجتمع الدولي لهذا القانون”.
وأكدت الحموري قائلة: “لن ننسى أيضا جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية بأعلى المراتب اللاقانونية التي يمكن أن تصلها البشرية”.
وأضافت: “لن ننسى جدل إسرائيل أن كل ما يحصل في غزة هو مبرر تحت فكرة أن حماس تستخدم الفلسطيني كدرع بشري، وهذا جدل قانوني مبني على سوء نية بامتياز، فهي تتناسى أن غزة من أكثر المدن ازدحاماً في العالم وأن المقاومة هي عقيدة لا تغيب عن قلب أي انسان يقع تحت الهيمنة”.
وأردفت الحموري: “لن ننسى الفشل الذريع للمحكمة الجنائية الدولية التي أكدت لنا ما كنا نقوله دوماً، وهو أن هذه محكمة الغرب ولا مكان لنا فيها”.
وفي مايو الماضي أعلن المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان، أنه طلب من الجنائية الدولية إصدار مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغالانت، على خلفية عدة اتهامات، بينها ارتكاب “جرائم ضد الإنسانية” في غزة.
وفي 7 سبتمبر/ أيلول الماضي قال خان، إنه يتعرض لضغوط من قادة دول من أجل عدم إصدار مذكرة اعتقال بحق نتنياهو، وغالانت، مشيرا إلى أنه اطلع على الأدلة التي يستند إليها قرار إصدار المذكرة في رده على من انتقدوه على طلبه.
**حق المقاومة
ومضت الحموري في استحضارها لحقائق لا تنسى عن حرب الإبادة على غزة قائلة: “لا ننسى الإرهاب من قبل الدول، وهنا أقصد الدول التي كانت بحد ذاتها هي الدول المستعمرة والدول التي تجني أعلى الأرباح من سوق تجارة السلاح في العالم بما فيها الدول الأوروبية وأمريكا وهم من أهم المستفيدين من تمدد الحرب في العالم”.
واستغربت الحموري بأن تلك الدول تعتبر أعمال “المقاومة” في قطاع غزة “على أنها أفعال إرهابية، متناسية أن من حق الشعوب المقاومة تقرير مصيرها، وخاصة عندما لا يفعل المجتمع الدولي أي شيء”.
ورأت أن “أكبر اختراقات القانون الدولي أن ينكر المجتمع الدولي كافة الخروقات التي ترتكبها إسرائيل، ويعتبر ما يقوم به الفلسطينيون إرهابا”.
واستطردت الحموري: “علينا أن لا ننسى كيف كان العالم قبلها بعام ينادي بحق أوكرانيا (في حربها المستمرة مع روسيا) بالدفاع عن نفسها وبالمقاومة، ونسي ذلك تماما عندما تعلق الأمر بفلسطين”.
“رأينا التقليل من بشرية الفلسطيني لا بل وتنميط العنصرية تجاه المواطن الفلسطيني العربي المسلم، وتأكيد أن الرجل العربي المسلم هو فقط رجل إرهابي.. نحن أمام مأساة بشرية غير مسبوقة”، أردفت الحموري.
** تفسيرات القانون الدولي
واعتبرت الحموري بأنه “رغم انتهاء عصر النازية والفاشية، لكن ما زلنا في عالم فاشي، وفي مجتمع القانون الدولي أصبحت الفاشية مبطنة”.
وتابعت: “يتم استخدام سياسة ولغة القانون الدولي من خلال تفسيرات ضعيفة تحاول الأخذ ببعض من المبادئ بمنأى عن المبادئ الأخرى، ومن خلال تفسيرات قد تشبعت بمنطق الحرب ضد الإرهاب الذي أطلقته أمريكا وهو تفسير خاص جدا بها، وليس تفسيرا يعكس اتفاق دول العالم عليه”.
وقالت الحموري: “لن ننسى اللحظة التي كانت فيها فلسطين رمز العدل في العالم من خلال رؤية انعدام العدالة، وتغطية أي مفهوم للعدالة بالحيز الفلسطيني من خلال المجتمع الدولي”.
وتابعت: “لن ننسى جدل إسرائيل في أن كل ما يحصل في غزة هو مبرر، تحت فكرة أن حماس تستخدم الفلسطينيين كدروع بشرية، وأكدنا مرارا وتكرارا أن هذا الجدل القانوني في المكان التاريخي الذي يسود فيه الاستعمار الاستيطاني مبني على سوء نية.. إسرائيل تنسى أنها ضد شعب كامل يرفض هيمنتها”.
واعتبرت أن ذلك “جدل تأخذ به إسرائيل والدول المستفيدة من الحرب، تنطلق فيه من أن الفلسطيني الذي يستحق الحياة هو المتخلي عن إرادته وإنسانيته وحقه، هذا هو فقط الذي يستحق الحماية، أما الفلسطينيون الآخرون فهم عنيفون إرهابيون لا يستحقون أي نوع من أنواع الحياة”.
** إصرار على الطغيان
وقالت الحموري: “لن ننسى الكم الهائل من الأرباح التي تم تحقيقها من خلال هذه المجازر، ولن ننسى المحاولات القانونية لردم أي جهود لوقف بيع السلاح لإسرائيل”.
وأضافت: “رأينا في الولايات المتحدة الأمريكية وفي أوروبا محاولات تسييس المحاكم، رأينا ذلك في أمريكا حيث ردت علينا محكمة قائلة أن سؤال الإبادة وسؤال بيع السلاح هو سؤال لا علاقة له في القانون وإنما هو سؤال سياسي بحت”.
واستطردت: “في هولندا ردت علينا محكمة لتقول إنه لا سلطة للحكومة الهولندية على دورها في بيع قطع مقاتلات F-35 إلى إسرائيل”.
وأكدت على أنه في ظل كل تلك المعطيات، فالتساؤلات الأساسية هي “ليس ماذا فعل القانون الدولي من أجل فلسطين؟ ولكن، ماذا فعلت فلسطين بالقانون الدولي؟ وكيف وصلت فلسطين بالقانون الدولي إلى مرحلة نرى فيها تخافت الاحتفاء بالعدالة الدولية من قبل الدول التي استقبلت برحابة الإبادة ودولة فصل عنصري”.
وشددت الحموري على أنه “بالرغم من وقوف كافة مبادئ القانون الدولي إلى جانب فلسطين، لكن ما زالت هذه الدول مصرة على طغيانها ومصرة على تفاسيرها اللامنطقية على حساب الشعوب المقهورة”.
وختمت بالقول: “على صعيد شخصي لن أنسى اللحظة التي قلل فيها المندوب السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة من تحذيراتنا حول الإبادة في غزة ورده البارد: ما هي خطتكم بعد انتهاء الحرب”.
وبدعم أمريكي مطلق ترتكب إسرائيل منذ 7 أكتوبر 2023 إبادة جماعية بقطاع غزة خلفت أكثر من 138 ألف قتيل وجريح فلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة أودت بحياة عشرات الأطفال، في إحدى أسوأ الكوارث الإنسانية بالعالم.
No Comment! Be the first one.