قانون جديد ومشكلات متجددة لذوي الاحتياجات الخاصة بالجزائر
يتطلع ذوو الاحتياجات الخاصة بالجزائر إلى واقع أفضل في ظل التحديات المعقدة في المجالات الاجتماعية والاقتصادية والتعليمية التي يعيشونها، مما يؤثر بصورة كبيرة في نوعية حياتهم وفرصهم في الاندماج الكامل بالمجتمع، على رغم الجهود الحكومية والمبادرات المجتمعية لدعم هذه الفئة، فإن العراقيل لا تزال تشكل عقبة أمام تحقيق تطلعاتهم في حياة كريمة ومستقلة.
وعي غائب
يعد الوعي الاجتماعي في شأن ذوي الاحتياجات الخاصة في الجزائر أحد أبرز التحديات، وكثيراً ما يواجه هؤلاء الأفراد التمييز من المجتمع وحتى من بعض أفراد عائلاتهم، إذ غالباً ما تعامل إعاقاتهم كحالة من الضعف أو النقص ويؤدي هذا التمييز إلى عزلهم ويحد من تفاعلهم مع المجتمع، مما يزيد من شعورهم بالوحدة ويؤثر في صحتهم النفسية.
وتعاني العائلة، التي من المفترض أن تكون الداعم الرئيس للفرد، نقص التوجيه والدعم الكافي في كيفية التعامل مع أبنائهم من ذوي الهمم، ففي كثير من الأحيان تفتقر العائلات إلى التوجيه والإرشاد المناسبين مما يجعل التكفل بهؤلاء الأفراد تحدياً يومياً.
ويعد التعليم من أبرز المجالات التي يواجه فيها ذوو الاحتياجات الخاصة صعوبات كبيرة، وعلى رغم الجهود الرامية إلى توفير التعليم الشامل، فإن البنية التحتية التعليمية لا تزال غير مهيأة بصورة كاملة لاستقبال الطلاب ذوي الاحتياجات الخاصة، كما أن المؤسسات التعليمية غالباً ما تفتقر إلى الوسائل التعليمية والتقنية التي تسهل عملية التعلم لهذه الفئة، إضافة إلى ذلك، فإن نقص الكوادر التعليمية المدربة على التعامل مع ذوي الإعاقات يضيف عبئاً إضافياً على الطلاب وأسرهم.
أما من الناحية الاقتصادية يواجه ذوو الاحتياجات الخاصة بالجزائر صعوبات كبيرة في الحصول على فرص عمل، إذ إن معدل البطالة بين هذه الفئة مرتفع جداً، بسبب نقص التأهيل المهني المناسب وصعوبة الوصول إلى سوق العمل، فيما لا تزال الشركات والمصانع تفتقر إلى التسهيلات اللازمة لتوظيف ذوي الاحتياجات الخاصة، كما أن التمييز الوظيفي يمثل عائقاً كبيراً أمامهم.
وتقدم الحكومة الجزائرية الدعم لهذه الفئة من خلال برامج الإعانات الاجتماعية، لكن هذا الدعم غالباً ما يكون غير كاف لتغطية حاجاتهم الأساسية، إضافة إلى ذلك، فإن البيروقراطية والإجراءات الإدارية المعقدة تجعل من الصعب على عديد من ذوي الاحتياجات الخاصة الوصول إلى هذه الإعانات بسهولة.
وتقدر أحدث الإحصاءات الرسمية أن هناك ما يزيد على مليون شخص من ذوي الاحتياجات الخاصة في الجزائر تتنوع الإعاقات بينهم، إذ تعد الإعاقة الذهنية الأكثر انتشاراً، فيما تعمل الحكومة الجزائرية على تقديم الدعم من خلال مؤسسات تعليمية متخصصة، إذ يوجد نحو 238 مؤسسة تعنى بتقديم الرعاية الطبية والنفسية والبيداغوجية لهذه الفئة، كما تحصي الدولة أكثر من 30 ألف طالب من ذوي الاحتياجات الخاصة في مختلف المؤسسات التعليمية.
إضافة إلى ذلك، تشير التقديرات لعام 2024 إلى وجود نحو مليون و118 ألف شخص مسجل كذوي احتياجات خاصة، إذ تعمل الدولة على توفير منح شهرية وشروط للتكفل بهذه الفئة، إضافة إلى إدماجهم في سوق العمل وفق قوانين خاصة تفرض على الشركات توظيف نسبة واحد في المئة من ذوي الإعاقة.
وتقول وزيرة التضامن الوطني والأسرة وقضايا المرأة كوثر كريكو، إن قطاع التضامن في الجزائر “يشرف على 239 مؤسسة للتربية والتعليم المتخصص لذوي الاحتياجات الخاصة لمختلف الإعاقات الحركية والبصرية والسمعية والذهنية”.
كما لفتت إلى أن “الدخول المدرسي 2024-2025 شهد التحاق ما يزيد على 35 ألف تلميذ من ذوي الاحتياجات الخاصة على المستوى الوطني بالمقاعد الدراسية”، وذكرت بعدد الأقسام المتخصصة والخاصة بذوي الهمم بقطاع التربية الوطنية التي “يفوق عددها على 1304 أقسام خاصة لمختلف الإعاقات”.
قانون جديد
وتناقش لجنة الصحة والشؤون الاجتماعية والعمل والتكوين المهني بالمجلس الشعبي الوطني مشروع القانون المتعلق بحماية الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة وترقيتهم، إذ قالت ممثلة الحكومة كوثر كريكو إن مشروع القانون يندرج في إطار تجسيد أحكام دستور نوفمبر (تشرين الثاني) 2020، لا سيما في المادة 72 التي تنص على ضمان الدولة إدماج الفئات المحرومة ذات الاحتياجات الخاصة في الحياة الاجتماعية.
ولخصت كريكو أهم الإثراءات التي تضمنها مشروع القانون في إدراج سلم تقييم الإعاقة كأداة مرجعية فعالة وموحدة تعتمد عليها اللجان في عملها، وأحكام جديدة تتعلق بالخدمات الصحية وتوفير الآليات الملائمة لرصد وتشجيع البحث العلمي في مجال الإعاقة والوقاية منها.
وتحدثت الوزيرة عن تعزيز استفادة الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة من تخفيض في مبلغ إيجار وشراء السكنات الاجتماعية التابعة للدولة أو الجماعات المحلية، التمدرس الإجباري للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة في مؤسسات التربية والتعليم وفتح أقسام خاصة بهم في الوسط المدرسي العادي، تخصيص نسبة واحد في المئة حداً أدنى من مناصب العمل للأشخاص المعترف لهم بصفة العامل ذي الاحتياجات الخاصة القادر على العمل، الحق في الحصول على الخدمات الثقافية والفنية والرياضية والتسلية والترفيه وأخيراً إدراج أحكام جزائية تكرس معاقبة كل أشكال الاعتداءات والمخالفات التي قد تتعرض لها هذه الفئة.
تحفظات بالجملة
لكن رؤساء وممثلي الجمعيات والهيئات الوطنية لذوي الإعاقات بمختلف أصنافها، كانت لهم مطالب أخرى قدموها أمام اللجنة البرلمانية، تتركز أساساً في مراعاة المقترحات والملاحظات بما يساير حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة وضمان الولوج إلى المرافق والخدمات الصحية والنفسية وترقية خدمات المساعدة والمرافقة الاجتماعية منزلياً والمرافقة المدرسية، ومواكبة التحول الرقمي والتطور التكنولوجي في ما يخص التعليم وتقريب الإدارة من الأشخاص ذوي الإعاقة، سواء عبر رقمنة بطاقة الإعاقة أو تزويد كل المدارس بالوسائل التعليمية العصرية والتكنولوجية المتنوعة.
ممثلو الجمعيات أبدوا تحفظات على تسمية مشروع القانون، وقالوا إن مصطلح “الأشخاص ذوي الإعاقة” الذي هو معمول به من طرف كل البلدان التي صادقت على الاتفاقية الدولية المتعلقة بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة تم تغييره، إذ يحمل مصطلح “الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة” معنى مخالفاً للمرجعية المتعلقة بالمفهوم المعاصر للإعاقة في الاتفاقية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وطالبت الجمعيات المتخصصة والخبيرة في ميدان الاحتياجات الخاصة بإشراكها عند معالجة النصوص واستحداث محافظة سامية لترقيتهم.
ودعت إلى وضع ذوي الاحتياجات الخاصة تحت رعاية عالية الهيئة، وإنشاء مصلحة للشؤون الاجتماعية داخل كل الوزارات والإدارات، لأن كل القطاعات معنية بشؤونهم، فالتربية والتعليم حتى لو كان التعليم متخصصاً فهو ليس من اختصاص وزارة التضامن، نفس الشيء بالنسبة إلى الصحة والرياضة وكذا القطاعات الأخرى المتعلقة بحياة المواطنين من دون استثناء.
وقال ممثلو الجمعيات إن الاعتماد على الجمعيات في التربية والتعليم لمصلحة ذوي الاحتياجات الخاصة في المادة 25 للمشروع القانوني، هو عبارة عن تملص يخالف مبدأ الإدماج في الوسط العادي، وهو ما يعد قانونياً إقصاءً وتمييزاً، ويجب على الدولة أن تمنع الاستثمار في هذه الفئة من طرف الجمعيات التي ليس لها صلة بذلك، من دون حل بديل في القطاع العمومي الذي هو مقنن ومراقب.
تحديات معقدة
يرى المتخصص في الأمراض العصبية والنفسية الطاهر بوجمعة، أن أصحاب الهمم في الجزائر يواجهون تحديات كبيرة بالنظر إلى الظروف الصعبة في مختلف المجالات بخاصة في الخدمات الأساسية: التعليم والعمل والصحة. ويضيف “كل سنة تتجدد مطالب أصحاب الهمم لتحسين مختلف الظروف المعيشية، وعلى رغم مساعي الدولة من أجل إدماج هذه الفئة اجتماعياً فإن جملة من العوائق والحواجز على مستويات مختلفة تحول دون بلوغ الهدف المنشود”. ويضيف “واقعياً لا يمكن أن يتحقق الإدماج الاجتماعي من دون توفير الخدمات الاجتماعية الأساسية وتكوين الشباب من ذوي الهمم في مختلف المجالات، إذ يبدي كثير من هذه الشريحة امتعاضهم من عدم تنفيذ التدابير المتخذة لفائدتهم واستمرار معاناتهم نقص الخدمات والمرافق والمراكز المناسبة لهم، سواء بالنسبة إلى المعاقين بصرياً أو ذهنياً أو حركياً أو سمعياً”.
وأشار بوجمعة إلى أن “المشكلات التي يعانيها ذوو الاحتياجات الخاصة كثيرة يمكن ذكر منها الصعوبات في التعليم والإدماج المدرسي في غياب نظام مرافقة خاص للأطفال ذوي الإعاقة بسبب غياب مراكز تعليم متخصصة ونقص في تكوين المعلمين والمربين المتخصصين، كما أن ترك مسؤولية التدريس والإدماج على عاتق الجمعيات الخيرية غير كاف للاهتمام بهذه الفئة”.
وعن نظام المنح يرى الطاهر بوجمعة، وهو ناشط ومدون سياسي، بوجود إجحاف بخصوص قيمة المنح وطريقة تسييرها من طرف الهيئة الوصية، إذ أُقصي الأطفال الأقل من 18 سنة من منحة التضامن المقدرة بـ10 آلاف دينار (74 دولاراً أميركياً) بحجة انتساب أوليائهم إلى صندوق الضمان الاجتماعي وكذا إقصاء المرأة المعاقة بمجرد زواجها وأيضاً مشكل الجمع بين الرواتب بالنسبة إلى المعاق الموظف، إضافة إلى مشكل التشغيل الذي لا تتجاوز نسبته واحداً في المئة مقارنة بتعداد هذه الفئة، وإشكالية الولوج إلى المؤسسات الصحية الخاصة ومراكز العلاج النفسي. يضيف “أرى أن نجاح وإثراء هذا المشروع لا بد من أن ينطلق من شموليته بأخذ مقترحات كل الجمعيات الممثلة لهذه الفئة ميدانياً وإلغاء المطبات التي تواجهه كالتداخلات بين المصالح الوزارية في ما يخص الامتيازات وكذلك التعارض بين المواد القانونية التي تقوض الاستفادات”. وأضاف أن “المشروع لن يرتقي بهذه الفئة إلا باستحداث مجلس وطني لذوي الاحتياجات الخاصة يضطلع بالصلاحيات والتشريعات الرامية لحفظ حقوقهم وإنشاء قاعدة بيانات شاملة لهم”.
وحسب المتحدث فإن من جملة الآليات الأخرى التي لم ترد في مسودة المشروع، تكييف المنحة التعويضية بالحد الأدنى للأجر الوطني المضمون، ورفع حصة الفئة المعاقة من سوق العمل لأكثر من نسبة اثنين أو ثلاثة في المئة، وكذا تخفيف الأعباء الجبائية والضريبية وإلغاء الرسوم على المنتجين من بينهم، وتعديل سن التقاعد بما يتناسب مع نوع الإعاقة، وتكييف القوانين الجزائية والعقابية وتعزيز دور وصلاحيات الجمعيات الممثلة لهذه الفئة.
وخلص إلى التأكيد أن هذه الشريحة من المجتمع أثبتت وجودها وبصمتها واضحة في شتى المجالات كالرياضة مثلاً وتستحق قانوناً يضمن حقوقها كاملة من دون إجحاف.
No Comment! Be the first one.