اعتقال القضاة في أمهرة بين الانتهاكات والقانون
أعلن اتحاد القضاة بإقليم أمهرة الإثيوبي أن السلطة القضائية تتعرض لانتهاكات من قبل الهيئات التنفيذية مما يحد من دورها الدستوري في البلاد، فيما عد الحزب الحاكم أن ما يتردد تضمن تضخيماً للأحداث وأن معظم من أوقفوا ضمن إجراءات التحفظ أطلق سراحهم بعد إجراء تحقيقات فورية، فيما يخضع الباقون للتحقيقات.
وقال الاتحاد خلال بيان أصدره في الـ20 من أكتوبر (تشرين الأول) الجاري أن هناك اعتقالات واسعة استهدفت القضاة العاملين في مختلف أنحاء الإقليم المضطرب أمنياً، مفيداً بأن أكثر من 35 قاضياً تعرضوا للاحتجاز ظلماً ثم أطلق سراحهم لاحقاً”، مع استمرار احتجاز ثمانية من بينهم خارج الإطار الذي يحدده القانون.
ووصف البيان التدابير التي تستهدف المؤسسة القضائية منذ العام الماضي بـ”مقصلة القضاء”، مشيراً إلى أن الاحتجاز الاحتياط تصاعد بصورة كبيرة خلال الأشهر الماضية مما أدى إلى وقوع بعض الوفيات في ظل تدهور أوضاع القضاة المحتجزين في غياب رعاية صحية.
ووصف الاتحاد هذه الممارسات بأنها “خطرة” وتسهم في “تقويض استقلال المؤسسة القضائية”، وأشار إلى “أنها لا تتدخل في الوظائف القضائية فحسب بل تعرض النزاهة المهنية للخطر”.
تجاوز القانون
يأتي بيان الاتحاد القضائي في خضم صراع عسكري يشهده الإقليم بين القوات الحكومية وميليشيات “فانو” المتمردة على النظام المركزي في أديس أبابا، الذي دخل عامه الثاني.
وأعرب تقرير سابق صادر عن لجنة حقوق الإنسان الإثيوبية عن قلقه إزاء “الاعتقالات التعسفية الجماعية” في إقليم أمهرة، وبخاصة في جوندار وبحر دار، مشيراً إلى أن عديداً من المعتقلين احتجزوا “دون اتباع الإجراءات القانونية”.
وقال اتحاد القضاة إن معظم هذه الاعتقالات تمت “فيما يتصل بواجباتهم المهنية”، ودان ممارسة “الاعتقال والاحتجاز العلني للقضاة أثناء قيامهم بواجباتهم”.
وعلى رغم جهود الحوار الجارية بين قيادة الاتحاد ومسؤولي المحكمة لمعالجة هذه القضية فإن المشكلة “ما زالت قائمة”، بحسب ما جاء في البيان. وأقر الاتحاد الذي يضم معظم ممثلي المؤسسات القضائية في الإقليم المضطرب بالجهود “الجديرة بالثناء” التي تبذلها المحكمة العليا في المنطقة لحل حالات الاحتجاز السابقة، لكنه أكد الحاجة إلى اتخاذ إجراءات أكثر حسماً.
واستشهد بيان الاتحاد بالمادة 79 من الدستور الإثيوبي التي تنص على استقلال السلطة القضائية لضمان نظام قانوني عادل وحماية حقوق المواطنين والحفاظ على سيادة القانون، محذراً من أن الوضع الحالي لا يمنع القضاة من أداء واجباتهم بحرية فحسب، بل إنه “ينتقص من شرفهم” ويؤدي إلى “فقدان التفاني المهني والنزاهة”.
وطالب البيان الحكومة الإقليمية بالإفراج العاجل عن القضاة المعتقلين وإنهاء “الاعتقالات غير المبررة” على الفور. وحث السلطات المركزية في أديس أبابا على اتخاذ “إجراءات تصحيحية” ضد الكيانات المسؤولة عن مثل هذه الأفعال ودعم جهود المحكمة العليا لإيجاد حل دائم.
تغول السلطة التنفيذية
بدوره، قال الناشط الحقوقي الإثيوبي ملكياس نانو إن التوسع في استغلال قانون الطوارئ داخل المناطق المضطربة من شأنه أن يقوض سلطة القانون، ويسهم في إحداث اختلالات عميقة بين السلطات الثلاث وبخاصة في ظل تغول السلطة التنفيذية على أعمال واستقلالية المؤسسات القضائية، مشيراً إلى أن ذلك من شأنه أن يقود البلاد إلى الفوضى.
ويوضح نانو أن الحكومة المركزية في أديس أبابا فضلاً عن الحكومة الإقليمية في أمهرة أعلنتا العمل بقانون الطوارئ منذ أكثر من عام نتيجة التمرد القائم بالإقليم، إلا أن ذلك لا ينبغي أن يمثل ذريعة للتغول على استقلالية السلطة القضائية، علاوة على أن المستهدفين من حملة الاعتقالات هم القضاة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويعلق الناشط الحقوقي على بيان اتحاد القضاء في إقليم أمهرة قائلاً إن البيان يمثل صرخة قوية ضد الانتهاكات الواسعة التي بلغت حداً لا يمكن السكوت عليه، وأن السلطة القضائية ينبغي أن تبقى بعيدة من المنازعات السياسية والعسكرية الدائرة في الإقليم.
وأشار إلى أن تطبيقات قانون الطوارئ يجب أن تحصر في متابعة أعمال الفوضى والتمرد وليس ضد السلطة القضائية، التي من المفترض أنها حائط الصد الأخير للدفاع عن القيم الجمهورية.
استقلال القضاء
ويوضح نانو أن الدستور الفيدرالي يضمن استقلالية القضاء ويحدد تدابير معينة في شأن الاحتجازات التي تجري وفق قانون الطوارئ، مشيراً إلى أن عديداً من القضاة المحتجزين لم يتمكنوا من التواصل مع عائلاتهم لأسابيع عدة، إذ احتجزوا في مقار لا تشرف عليها المؤسسات العدلية.
ويلفت نظر الحكومة الإقليمية أن هذه الممارسات من شأنها أن تعبث بالسلم الأهلي، وتسهم في انعدام الثقة بين المواطنين والسلطات الممثلة للدولة.
ويشير الناشط الإثيوبي إلى أن ممارسات الأجهزة الأمنية في إقليم أمهرة تعرض هيبة المؤسسة القضائية للخطر، فيما لا تتدخل السلطات المركزية ممثلة في وزارة العدل لإيقاف هذا الانحراف الخطر.
وأوضح أن هناك جهوداً ملحوظة تبذلها المحكمة العليا للحد من التدابير التي تستهدف القضاة، إلا أنها لم تثمر نتائج ملموسة حتى الآن، مما يتطلب تدخلاً فورياً من قبل وزارة العدل في المركز للحيلولة دون التوسع في استهداف المؤسسات القضائية.
تضخيم الأحداث
من جهته، اعتبر القيادي في حزب الازدهار الحاكم عبديسا دمقي أن بيان اتحاد القضاة في إقليم أمهرة تضمن تضخيماً للأحداث التي أدت إلى اعتقال بعض القضاة في ظل الوضع الأمني والعسكري المضطرب داخل الإقليم، وقال إن معظم من أوقفوا ضمن إجراءات التحفظ أطلق سراحهم بعد إجراء تحقيقات فورية.
وأضاف القيادي الإثيوبي أنه لا أحد فوق القانون وبخاصة في ظل الحرب الدائرة داخل بالإقليم بمن فيهم العاملون في السلك القضائي حال توافر شبهات عن ارتباطاتهم مع المتمردين، مؤكداً أن من أن أطلق سراحهم عادوا إلى ممارسة وظائفهم فيما تم التحفظ على ثمانية من بينهم، إذ يشتبه في استغلالهم مناصبهم لممارسة أنشطة سياسية تتعلق بدعم التمرد، لذا فإن وصف ذلك بـ”مقصلة القضاء” يعد من قبيل “التضخيم المتعمد” لخدمة أهداف سياسية.
وأوضح عبديسا أن الموقوفين سيقدمون للمؤسسات القضائية وسيمكنون من حق الدفاع عن أنفسهم، مؤكداً “أن وصف التدابير بمقصلة القضاء من قبل اتحاد قضاة الإقليم يعد وصفاً غير دقيق ويفتقد الحصافة المهنية”.
وأشار إلى أن المبادرة التي تقودها المحكمة العليا للوقوف على ملابسات الاعتقال ستكون بالاطلاع على صحائف الإحالة والمعلومات المتوافرة حول التهم الموجهة لبعض القضاة، وحث عبديسا وسائل الإعلام إلى التروي وانتظار نتائج التحقيقات التي تشارك فيها جهات سيادية.
وأوضح أن “الإيقاف الاحتياط” نظام قضائي ينظمه قانون الطوارئ ومعمول به في معظم الدول التي تعاني نزاعات أو حالات فوضى، مؤكداً أن الأمر يتعلق بإجراءات وقائية تخضع لمدد زمنية محددة، مؤكداً أن هذه التدابير الاستثنائية ستختفي تدريجاً مع تحسن الوضع الأمني ورفع حال الطوارئ في الإقليم.
No Comment! Be the first one.