القوانين التي ترعى إنتاج الكهرباء ونقلها وتوزيعها وأهمية قانون الطاقة المتجددة الموزعة – Arab Reform Initiative
جدول المحتويات
من المتعارف عليه عالمياً بأن الكهرباء سلعة حيوية، وهي عنصر أساسي لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، إذ إن لها تأثيراً مباشراً على حياة كافة المواطنين، وعلى سائر القطاعات الأخرى كالمياه، الاتصالات، الصحة، التعليم، الصناعة وقطاع الخدمات.
أزمة الكهرباء في لبنان ليست وليدة اليوم، بل هي نتيجة تراكمات ورغبة متعمّدة من السلطة السياسية في إيصال القطاع إلى الحضيض والانهيار، وهذا الوضع يؤثر على كافة القطاعات الإنتاجية وعلى مالية الدولة، إذ كان قطاع الكهرباء في لبنان، وعلى مدى عقود، مساهماً رئيسياً في الأزمة الاقتصادية والمالية التي تعاني منها البلاد. وقد فشلت الحكومات المتعاقبة في معالجة هذه المشكلة بشكل صحيح، سواء من منظور تقني أو سياسي.
وعلى عكس ما يظن الكثير من المهتمين ومن المشرّعين وأصحاب الاختصاص، لا يفتقر لبنان إلى قوانين تنظّم إنتاج الكهرباء وتوزيعها، فلبنان لديه ما يكفي من القوانين والمراسيم، لو طبقت لكان قطاع الكهرباء تخطى الأزمة التي يعاني منها اليوم.
نستعرض في هذه الورقة القوانين والمراسيم والأنظمة التي تعنى بقطاع الكهرباء في لبنان.
قانون إنشاء مؤسسة كهرباء لبنان
في العام 1964 صدر المرسوم رقم 16878 الذي أٌنشئت بموجبه مؤسسة كهرباء لبنان. وقد عُهد إليها بموجبه إنتاج ونقل وتوزيع الطاقة الكهربائية على جميع الأراضي اللبنانية، على أن تكون مؤسسة عامة وطنية ذات طابع صناعي وتجاري، أي مؤسسة تعمل وفق مبدأ الربح والخسارة. وقد فرض المرسوم تحويل جميع المنشآت الكهربائية المستثمرة من قبل الهيئات العامة (كالحكومة والبلديات) والخاصة (كالشركات) إلى مؤسسة كهرباء لبنان. كما فرض انتقال ملكية الامتيازات أو رخص إنتاج ونقل وتوزيع الكهرباء إليها عند انتهاء مدتها أو إلغائها، إضافة إلى منشآت إنتاج ونقل وتوزيع الطاقة الكهربائية المنفذة أو التي ستنفذ من قبل وزارة الطاقة والمياه، أو من قبل مجلس الإنماء والإعمار عند إتمامها. بالإضافة إلى ذلك، أعطى المرسوم الحصرية للمؤسسة، إذ منع إعطاء أي فرد أو شركة، أي امتياز أو رخصة أو إذن لإنتاج أو نقل أو توزيع الطاقة الكهربائية أو تجديد ذلك أو تمديده لأي سبب من الأسباب. إلا أنه سمح للأفراد وللشركات بإنتاج الطاقة الكهربائية لسد حاجاتهم الشخصية، شرط عدم توزيعها إلى أشخاص آخرين.
على الرغم من هذه الحصرية المطلقة، إلا أن المرسوم سمح للمؤسسة بتأجير الاستثمارات التي تُعهد بها إليها بصورة انتقالية ولمدة أقصاها خمس سنوات، ابتداءً من صدور المرسوم أو قرار التحويل، شرط موافقة وزير الطاقة والمياه.
قبل اندلاع الحرب في لبنان (1975-1990) نجحت مؤسسة كهرباء لبنان في تأمين الكهرباء، وكانت تملك العديد من معامل الإنتاج الحرارية والمائية، بالإضافة إلى تعاونها الوثيق والمثمر مع كل الامتيازات، سواء تلك المنتجة للكهرباء أو التي كانت توزعها، بالإضافة إلى شراء الكهرباء من المصلحة الوطنية لنهر الليطاني التي تنتج الكهرباء بواسطة معامل كهرومائية… إلا أن تداعيات الحرب والإهمال الرسمي والسياسي للقطاع وعدم تطويره، أدت إلى تداعيات سيئة على المؤسسة، وبالتالي على القطاع ككل… فانتفت فلسفة خلق مؤسسة عامة مستقلة ذات طابع صناعي وتجاري، أي مؤسسة تعمل وفق مبدأ الربح والخسارة لأسباب عديدة أهمها:
- التدخل السياسي المباشر في تعيينات مجلس إدارة كهرباء لبنان، علماً بأن هذا الأخير تقع عليه مسؤولية إدارة المؤسسة: يتألف المجلس من سبعة أعضاء، يكون أحدهم رئيساً لمجلس الإدارة، يعينون لمدة ثلاث سنوات قابلة للتجديد، بمرسوم يُتخذ في مجلس الوزراء بناء على اقتراح وزير الطاقة والمياه، كما يعيّن هذا الأخير مفوضاً عن الحكومة يحضر اجتماعات مجلس الإدارة، ويكون له فيها حق التصويت. كما يحضرها المراقب المالي والمعيّن من وزير المال بصفة استشارية دون حق التصويت.
- المزج بين مركزي رئيس مجلس الإدارة والمدير العام ليصبحا بعهدة شخص واحد، بينما نظام المؤسسة ومرسوم النظام العام للمؤسسات العامة واضحان لناحية تولّي مسؤولية المؤسسات العامة التي تكون بواسطة سلطة تقريرية يتولاها مجلس الإدارة برئاسة رئيس مجلس الإدارة، وسلطة تنفيذية يرأسها مدير عام يستطيع حضور اجتماع مجلس الإدارة دون حق التصويت.
- خلافاً للمادة الثامنة من مرسوم إنشائها والتي تعطي المؤسسة الحق بوضع تعرفة الكهرباء وفقاً لمتطلبات الاستثمار الذي تقوم به والمساهمة بنسبة معقولة في تمويل التوظيفات اللازمة لتنمية نشاطها، أخذ مجلس الوزراء هذه الصلاحية وأصبحت عرضة للتجاذبات السياسية، ما حال دون وضع تعرفة عادلة سواء للمستهلك أو لاستمرار عمل المؤسسة، فأصبحت سلعة الكهرباء تشكل عبئاً كبيراً على الخزينة، وكانت من الأسباب الرئيسية للانهيار المالي للدولة.
- سيطرة الزبائنية السياسية على التوظيفات في المؤسسة.
- ولم يكن ينقص المؤسسة إلا تدمير مبناها الرئيسي نتيجة انفجار مرفأ بيروت في 4 آب 2020، إضافة إلى استقالة العديد من كوادرها الفنية بسبب الأزمة المالية التي عصفت بلبنان منذ العام 2019.
قانون تنظيم قطاع الكهرباء
في العام 2002 صدر القانون 462 لتنظيم قطاع الكهرباء كجزء من الإصلاحات التي طلبها المجتمع الدولي من لبنان في مؤتمر باريس الذي عُقد لإعطاء لبنان جرعة من المساعدات، فأقر البرلمان اللبناني حزمة من القوانين الإصلاحية، من بينها القانون الذي يختص بقطاع الكهرباء.
تكمن أهمية هذا القانون في أنه جاء شاملاً ومفصلاً، ويصلح لأن يكون قانون إطار، من الممكن بل من المفروض أن تنبثق عنه قوانين ومراسيم تنظيمية وتنفيذية مكملة له:
- حدد هذا القانون مهام وزارة الطاقة وأعطاها صلاحيات واضحة ومهمة.
- فصْل القرار الإداري والتنفيذي في القطاع عن الأهواء والمشاكل السياسية تماماً، كما هو الحال في كل البلاد المتقدمة، وذلك عبر إنشاء هيئة ناظمة لقطاع الكهرباء، تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال الفني والإداري والمالي، وحدد مهامها وصلاحياتها، خصوصاً في كيفية إعطاء تراخيص للقطاع الخاص لإنتاج الكهرباء وتوزيعها.
- حوّل مؤسسة كهرباء لبنان إلى شركة و/أو إلى شركات مختلطة بين القطاع العام والخاص للتوزيع والإنتاج يستطيع القطاع الخاص أن يكون شريكاً فيها وفقاً لقواعد شفافة وحرة تؤمن مصلحة الدولة وتجذب الشركات العالمية المحترمة، كما تحافظ على المنافسة التي يستفيد منها المواطن اللبناني والمستهلك بشكل عام.
- اعتبر الطاقة الكهربائية سلعة اقتصادية استراتيجية وحيوية، كما اعتبر النشاطات العائدة لإنتاجها ونقلها وتوزيعها من المنافع العامة، ويكون كل من هذه النشاطات مستقلاً عن الآخر وظيفياً وإدارياً ومالياً.
- في الإنتاج، قسّم القانون إنتاج الطاقة الكهربائية إلى نوعين:
1- الإنتاج الخاص، المُعدّ لاستعمالات الجهة المنتجة الخاصة. ومن أجل تشجيع المواطنين، أعفى القانون إنشاء تجهيزات إنتاج للاستعمال الخاص بقوة تقل عن 1.5 ميغاوات شرط الحصول على إذن، على أن تراعي عمليات الإنتاج مقتضيات البيئة والصحة العامة والسلامة العامة. أما في حال زيادة الإنتاج الخاص عن هذا المقدار، فقد أعطى القانون الهيئة الحق بمنح إذن لإنشاء أو تجهيز أو تطوير أو تملّك أو تشغيل أو صيانة تجهيزات الإنتاج للاستعمال الخاص، شرط أن لا تتجاوز القدرة الـ 10 ميغاوات.
2- الإنتاج العام، وهو المعد للبيع، حيث أعطى القانون الهيئة الحق بأن تصدر ترخيصاً إلى شركات مغفلة يمنح حكماً بموجبه امتيازاً لمدة أقصاها خمسون سنة بإنشاء أو تجهيز أو تطوير أو تملك أو تشغيل أو إدارة أو تسويق أجهزة تدخل في نطاق الخدمات العامة في مجالات الإنتاج والتوزيع والمتعلقة بقدرة تفوق 10 ميغاوات أو حق استعمال الأجهزة المذكورة بموجب عقد إيجار تمويلي (Leasing).
- ومن أجل تأمين أكبر قدر من المنافسة، مكّن القانون الهيئة من أن تصدر تراخيص لمدة أقصاها خمسون سنة، إما عن طريق إجراء مناقصات عامة للإنتاج بقدرات تتعدى 25 ميغاوات وللتوزيع في مناطق يتجاوز فيها عدد مستهلكي الطاقة الخمسين ألفاً، أو عبر إجراء استدراجات عروض للإنتاج الذي لا يتجاوز 25 ميغاوات وللتوزيع في المناطق التي لا يتجاوز فيها عدد مستهلكي الطاقة الخمسين ألفاً.
- في النقل: أبقى القانون نقل الطاقة ملكاً للدولة اللبنانية، أي لمؤسسة كهرباء لبنان أو أي شركة أخرى مملوكة من القطاع العام تنقل إليها ملكية تجهيزات النقل.
- في التوزيع: أعطى القانون حق التوزيع لـ”شركة/شركات مخصخصة” يكون موضوعها القيام بكل أو بعض نشاطات الإنتاج والتوزيع، تمارس نشاطها بعد الحصول على ترخيص يمنح من الهيئة الناظمة.
من مراجعة معمقة للقانون، نرى بأنه جاء متكاملاً، ولو طبق منذ إقراره في العام 2002، لكان قطاع الكهرباء من القطاعات المتقدمة، ولم يكن عبئاً على خزينة الدولة، خصوصاً وأنه زاوج بين حيوية القطاع الخاص ودفاع القطاع العام عن مصالح الدولة والمستهلك، كما حافظ على مركزية نقل الطاقة ومنح لامركزية في قطاعي الإنتاج والتوزيع، ما يدخل المنافسة على قطاع كلما زادت فيه المنافسة الشفافة كلما تأمنت الكهرباء بشكل أرخص ومستمر.
بين مرسوم إنشاء مؤسسة كهرباء لبنان وقانون تنظيم الطاقة
مع عدم تطبيق قانون تنظيم قطاع الطاقة، أصبح لبنان أمام واقعة قانونية غير مسبوقة. فمن ناحية هنالك قانون يعطي مؤسسة كهرباء لبنان حصرية في الإنتاج والنقل والتوزيع، ومن ناحية أخرى هنالك قانون يفتح سوق الطاقة أمام الشراكة مع القطاع الخاص ويكسر الاحتكار. ولكن مع عدم صدور المراسيم التطبيقية من مجلس الوزراء، لاسيما تسمية الهيئة الناظمة، لم يطبق أو لم يكن هنالك نية لتطبيقه. وبدلاً من ذلك، جرى الاعتداء على القانون عبر تعديل المادة السابعة منه ولأربع مرات ليحلّ مجلس الوزراء مؤقتاً محل الهيئة الناظمة فقط في إعطاء أذونات وتراخيص إنتاج الطاقة، علماً بأن صلاحيات الهيئة الناظمة كبيرة ومتشعبة ولا يمكن اختصارها بإعطاء تراخيص للإنتاج. إضافة إلى ذلك، فإن مشكلة لبنان الحالية لا تكمن فقط في الإنتاج، وإنما تمتد إلى توزيع الطاقة ونقلها. مع الأسف حتى هذا التعديل، وبسبب المناكفات السياسية، لم يُعمل به إلا لمرتين، وذلك عند إعطاء تراخيص لإنتاج الطاقة على الرياح في عكار، وإعطاء تراخيص لإنتاج الطاقة الشمسية لعشر شركات خاصة. وللأسف، فإن هذه المشاريع لم تبصر النور لغاية تاريخه.
قرارات وقوانين تكسر احتكار مؤسسة كهرباء لبنان
مع عدم تطبيق القانون 462، عرف لبنان بعض القرارات والقوانين التي تكسر احتكار مؤسسة كهرباء لبنان في قطاعي الإنتاج والتوزيع. وعلى الرغم من أنها قليلة ولم تكن فعالة، إلا أنه يجدر التوقف عندها:
- قانون النفايات:
في العام 2018 صدر القانون رقم 80 المتعلق بالإدارة المتكاملة للنفايات الصلبة، والذي سمح بتمويل التخلص من النفايات للأشخاص المعنويين أو الطبيعيين من القطاع الخاص، وللبلديات واتحادات البلديات. يتضمن ذلك أصحاب المعامل المرخصة لمعالجة النفايات الصلبة و/أو مراكز التخلص النهائي منها، الذين يمكنهم ربط الطاقة الكهربائية المنتجة بسعر أدنى بنسبة 15% من متوسط تعرفة بيع الكهرباء المعتمدة. يُلغى أو يُسحب أو يُعلق الترخيص الممنوح من وزارة الطاقة والمياه في حال مخالفة المرخَّص له الشروط التي على أساسها مُنح الترخيص، دون أن يترتب على المخالف أي تعويض. ويمكن تعديل السعر المذكور بموجب مرسوم يتخذ في مجلس الوزراء بناءً على اقتراح وزيري الطاقة والمياه والبيئة.
صحيح أن هذه المادة فيها كسر لقاعدة احتكار مؤسسة كهرباء لبنان لعملية الإنتاج، إلا أنها أعطت صلاحيات إصدار التراخيص لوزارة الطاقة والمياه، من دون أي ذكر للهيئة الناظمة المفروض إنشاؤها وفقاً لقانون تنظيم قطاع الطاقة. كما أعطى صلاحيات تعديل التعرفة لمجلس الوزراء بناء على اقتراح وزيري الطاقة والبيئة، علماً بأن هذا الأخير لا دور له في إعطاء التراخيص. والجدير بالذكر، فإن هذه المادة لم تطبق حتى تاريخه، وبالتالي، لم تُنتج كهرباء بواسطة المعامل للتخلص من النفايات.
- العداد الصافي
في العام 2011 أصدرت مؤسسة كهرباء لبنان قراراً تحت رقم 318-32 يسمح للمستهلك الذي ينتج طاقة متجددة بأن يصدّر الطاقة الفائضة من الطاقة المتجددة التي ينتجها إلى شبكة الكهرباء التابعة لمؤسسة كهرباء لبنان، ما يمكنه من الاستفادة من خصم في فاتورة استهلاكه الكهرباء أو ما يعرف بالعداد الصافي (Net Metering)، علماً بأن هذا القرار يُجدّد سنوياً بقرار من مجلس إدارة مؤسسة كهرباء لبنان وموافقة وزيري الطاقة والمياه والمالية.
تكمن أهمية هذا القرار في أنه يشجع الأفراد على إنتاج طاقة نظيفة يحول الفائض منها إلى الشبكة العامة، ما يخفف من أعباء فاتورة المستهلك الكهربائية، ويخفف أيضاً من إنتاج الطاقة الكهربائية بواسطة الوقود الأحفوري.
- مشروع مقدمي خدمات التوزيع:
في العام 2011 أُدخلت شركات خاصة إلى قطاع توزيع الكهرباء التي تحتكرها مؤسسة كهرباء لبنان بموجب قانون تأسيسها، وهو ما بات يُعرف بمشروع مقدمي الخدمات، وكان يُفترض أن ينتهي هذا المشروع الذي قُسّم بموجبه لبنان إلى أربع مناطق في العام 2016، إلا أنه جدد للشركات لغاية تاريخه. يهدف هذا القرار إلى حلول الشركات الخاصة مكان مؤسسة كهرباء لبنان في عمليات تأهيل الشبكات وتركيب العدادات الذكية والحد من الهدر غير الفني وتحسين الفوترة وتأمين الجباية.
قانون تنظيم الطاقة المتجددة الموزعة
في العام 2023 صدر القانون رقم 318 الذي يعنى بتنظيم الطاقة المتجددة الموزعة. لهذا القانون أهمية بالغة تنعكس على قطاع الكهرباء والطاقة المتجدّدة تحديداً، وقد جاء نتاج سنوات طويلة من العمل تعود إلى العام 2019. تكمن أهمية هذا القانون في أنه يسمح للقطاع الخاص بإنتاج وبيع الطاقة المتجدّدة بكميات تصل إلى 10 ميغاواط. إضافة إلى ذلك، يتيح القانون لأي منزل لديه ألواح طاقة متجدّدة القيام بما يسمّى بـ”التبادل الطاقوي” مع مؤسسة كهرباء لبنان، ما يعني وضع فائض الكهرباء المنتجة عبر أنظمة الطاقة المتجدّدة على الشبكة العامة. ويتمّ إجراء جردة شهرية عبر المقاصة بين الكميات المستهلكة والمنتجة، وبناءً عليه يدفع المواطن فواتيره ويتقاضى بدلاً مالياً من الدولة. كما يتيح هذا القانون إنشاء أنظمة طاقة شمسية مشتركة بين الأبنية المجاورة، أو الجامعات والأبنية السكنية الواقعة ضمن نطاق جغرافي واحد. كما يسمح القانون لمالك العقار نفسه في مناطق عقارية مختلفة بالاستفادة من الطاقة المتجددة المنتجة في أحد عقاراته عبر نقل الطاقة المتجددة المنتجة.
كذلك، يُتيح القانون للبلديات واتحادات البلديات بإنشاء حقول شمسية وبيع الطاقة المنتجة منها إما بطريقة مباشرة أو عبر القطاع الخاص للقاطنين في النطاق الجغرافي التابع للبلدية. بذلك، تصبح لدى المجتمعات حقول شمسية تفيد جميع السكان وتساعد على تحقيق العدالة الكهربائية وتأمين التيار على مدار الساعة، ما يخفف عبء استعمال المولّدات الخاصة الملوّثة والباهظة الكلفة.
بالإضافة إلى ذلك، أعطى القانون أحقيّة للمنتج والمستهلك في إجراء عقود شراء مباشرة دون الحاجة إلى وسيط، أي دون تدخّل الوزارة أو مؤسسة كهرباء لبنان. أما استجرار الطاقة من منطقة إلى أخرى، فهو مسموح أيضاً عبر استخدام شبكة مؤسسة كهرباء لبنان. وفي هذه الحالة يفرض ما يُسمّى بـرسم العبور الذي يدفعه المستهلك للمؤسسة.
عدّ هذا القانون خطوة هامة في كسر احتكار مؤسسة كهرباء لبنان لعملية الإنتاج، ويحفّز الاعتماد على الطاقات المتجدّدة، كما يشجّع استثمارات القطاع الخاص في قطاع الطاقة النظيفة نظراً للمردود المالي الممكن تحقيقه. وفي حال تطبيقه يقرّب القانون لبنان من تنفيذ تعهّداته للجهات الدولية بحلول العام 2030 ومنها تخفيف الانبعاثات الدفينة المضرّة بالبيئة والصحة بنسبة 30%، وإنتاج طاقة متجدّدة بنسبة 30%، ما يخفض استخدام الوقود الأحفوري والاعتماد على المولّدات الخاصة.
كما ينشئ هذا القانون مديرية عامة ضمن مؤسسة كهرباء لبنان تعنى بالطاقة المتجدّدة، وهذه سابقة في تاريخ المؤسسة.
إن الهدف الأساسي لهذا القانون هو تحفيز القطاع الخاص للاستثمار في قطاع الطاقة المتجددة دون الحاجة إلى أي أذونات أو وسطاء، ما يخفف من الأعباء البيروقراطية عليه، كما يخفف أعباء مالية على الدولة. لكن مع الأسف تم تعديل المسودة الأساسية للقانون، بحيث بات تطبيقه متوقفاً على إنشاء الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء غير الموجودة، والتي كان يفترض تعيينها منذ العام 2002. وبالتالي، هناك مخاوف من أن يصبح مصير القانون مشابهاً لمصير القانون 462 أو عرضة للاجتهادات التي تشوّه مضمونه، ويصبح أداة في يد السياسيين.
باختصار يعاني لبنان من مشاكل عديدة تساهم في تراجع قطاع الكهرباء، سواء لناحية إنتاج الطاقة، أو نقلها أو توزيعها، ولعل أبرز هذه المشاكل:
- نقص الإنتاج الكهربائي: لا تنتج معامل الكهرباء في لبنان الكمية الكافية من الطاقة لتلبية احتياجات السكان والشركات والمصانع، ما يؤدي إلى انقطاع متكرر في التيار الكهربائي.
- البنية التحتية المتهرّئة والقديمة: معظم محطات الكهرباء وشبكات التوزيع في لبنان تعاني من التآكل والقدم، ما يزيد من الهدر الفني والأعطال عند نقل الطاقة.
- الصيانة غير الكافية: تفتقر مصانع إنتاج الطاقة ونقلها وتوزيعها إلى الصيانة الدورية اللازمة، ما يؤدي إلى زيادة في الأعطال والتقنين.
- الفساد وسوء الإدارة: يعاني قطاع الكهرباء مستويات عالية من الفساد وسوء الإدارة، ما يؤدي إلى هدر الموارد وعدم استثمار الأموال بشكل فعّال ويمنع تحسين الخدمة.
- الاعتماد على الوقود الأحفوري: يعتمد لبنان في إنتاج الكهرباء بشكل رئيسي على الوقود الأحفوري، ما يجعله عرضة لارتفاع أسعار الوقود وتقلبات السوق بالإضافة إلى الارتفاع في التلوث البيئي والتأثير الصحي على المواطنين.
- الديون المتراكمة: تعاني مؤسسة كهرباء لبنان من ديون كبيرة نتيجة عدم قدرتها على تمويل احتياجاتها التشغيلية والاستثمارية بشكل كاف.
- مولّدات الأحياء: يلجأ العديد من اللبنانيين إلى استخدام مولّدات كهربائية خاصة أو إلى الاشتراك بمولدات الأحياء والتي باتت تغطي كافة المناطق اللبنانية من أجل تغطية نقص التيار الكهربائي، ما يضيف أعباء أخرى على المشتركين.
- النقص في الجباية والهدر غير الفني: يمتنع الكثير من اللبنانيين عن دفع مستحقاتهم وفواتيرهم الكهربائية. أما السبب الرئيسي لهذا الامتناع فهو عدم وجود جدية في إصدار الفواتير وتحصيلها، بالإضافة إلى غياب القرار السياسي بمنع المشاركين من التعليق على الشبكة، ما يؤدي إلى هدر غير فني كبير، ويكبد مؤسسة كهرباء لبنان المزيد من الخسائر المالية.
- عدم تطبيق القوانين: ما زال اللبنانيون ينتظرون وبفارغ الصبر تطبيق القانون 462 الصادر في العام 2002 والذي يعنى بتنظيم قطاع الكهرباء. وبما أن القطاع ما زال عرضة للتجاذب السياسي، فمن غير الممكن تطبيق هذا القانون وغيره من القوانين الإصلاحية، ومنها القانون 318 الذي صدر في العام 2023 والمتعلق بتنظيم الطاقة المتجددة الموزعة.
هذا البحث يؤكد أن مشكلة قطاع الكهرباء في لبنان لم تكن يوماً بسبب غياب القوانين، وإنما المشكلة في عدم توافر النية لتطبيقها.
تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الورقة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر مبادرة الإصلاح العربي، أو فريق عملها، أو أعضاء مجلسها.
No Comment! Be the first one.