
قوانين إسرائيلية لتقييد الإعلام والمنظمات الحقوقية في توثيق ونشر جرائم حرب
في أعقاب إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتقال دولية ضد رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، ووزير الأمن السابق يوآف غالانت، إلى جانب مذكرات اعتقال غير معلنة ضد سياسيين إسرائيليين وعناصر في الجيش الإسرائيلي، سارع عضو الكنيست الإسرائيلي من حزب “الليكود” عميت هليفي لطرح قانون يهدف إلى حماية الجنود من إجراءات المحكمة الدولية ضد إسرائيل، ويضمن ذلك فرض سرية على الأدلة وتقديم معطيات تخضع لترجيح رأي جهات أجنبية، ليست ملتزمة حيال سلامة وأمن دولة إسرائيل. وما هي إلا أيام، حتى صادقت الهيئة العامة للكنيست على مقترحات هليفي، ويمنع أحدهما مواطنين وسلطات وهيئات عامة في إسرائيل من “التعاون مع المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي”، في وقت يستهدف الآخر منظمات حقوق الإنسان من خلال عدم إلزام المحاكم الإسرائيلية بالنظر في طلبات تقدمها هذه المنظمات، إلى جانب فرض عقوبات مالية عليها.
جمع معلومات عن جنود إسرائيليين
وكانت منظمات حقوقية في عدد من البلدان أعلنت أنها تجمع معلومات عن جنود إسرائيليين نشروا مقاطع مصورة لأنفسهم وهم يرتكبون جرائم في غزة، لمطالبة السلطات المحلية باعتقالهم. ووفقاً لصحيفة “تايمز أوف إسرائيل”، جرى نقل جنديين إسرائيليين كانا يقضيان إجازة في أمستردام على عجل إلى إسرائيل قبل أيام، بعد أن علمت جماعات مؤيدة للفلسطينيين برحلتهما وسعت إلى إصدار أوامر اعتقال في حقهما، وذلك بعد أن نشر الجنديان أنهما متجهان إلى أمستردام مصحوبين بصور من رحلتهما أثناء وجودهما هناك. في حين أكدت صحيفة “إسرائيل اليوم” أن أمهات جنود إسرائيليين بعثن رسالة حادة إلى رئيس الوزراء ورئيس الأركان، يحملنهما فيها مسؤولية توفير الحماية القانونية لأبنائهن.
عقوبة السجن
وفقاً لمقترحات هليفي، فإنه يحظر على أية جهة رسمية إسرائيلية أو شعبية أو جمعيات أو مواطنين في إسرائيل تقديم أدلة، أو مساعدة قضائية للمحكمة الجنائية الدولية، ضد أي شخص إسرائيلي، أو ضد دولة أو جهة حليفة لإسرائيل، وفرض عقوبة السجن خمس سنوات على أي أحد يقدم خدمة للمحكمة في لاهاي أو يوفر لها وسائل لذلك، إلا إذا أثبت أنه لم يكن يدرك أن الأمر كان من أجل إجراءات المحكمة الجنائية.
إلا أن هليفي الذي نال تأييد 25 عضو كنيست وعارضه 10 أعضاء، لم يكتف باقتراح فرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية، بل عمد إلى منح صلاحية للحكومة الإسرائيلية وفرض عقوبات أخرى كبيرة على أية جهة أجنبية تقدم شكاوى، أو مساعدة قضائية ضد إسرائيل أو أية جهة أو شخص يحمل المواطنة الإسرائيلية، مثل وضع اليد على ممتلكاتها في إسرائيل، وحظر أية علاقة معها، لاعتبار أن المحكمة في لاهاي وفقاً لمشروع القانون “معادية للسامية وشريرة وضعت نتنياهو والسنوار (يحيي السنوار رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” السابق) والضيف (القائد الأعلى السابق للجناح العسكري لحركة “حماس” محمد الضيف)، في صف واحد، بينما تحارب إسرائيل دفاعاً عن نفسها ضد الإبادة”. وقال هليفي إن إجراءات المحكمة “تشكل خطراً حقيقياً على دولة إسرائيل وعلى العاملين من قبلها أو في خدمتها”، وأضاف “يوجد تخوف من أن جهات لا توافق على قرارات جهاز القضاء الإسرائيلي ستلتف على هذه القرارات بواسطة التوجه إلى المحكمة الدولية”.
منظمات حقوقية وصحافيون
وبحسب منظمات حقوقية وصحافيين داخل اسرائيل وخارجها أبدوا ردود فعل غاضبة جراء تلك القوانين، فإن مصادقة الكنيست بصورة نهائية على مشروع القانون “سيعرض الصحافيين للسجن في حال نشرهم تحقيقاً أو معلومات من شأنها أن تدل على جريمة حرب نفذها الجيش الإسرائيلي”. واعتبرت منظمة العفو الدولية أن القانون “محاولة جديدة لإسكات أي صوت معارض لجرائم إسرائيل”، كما حذرت الأمم المتحدة من أن هذه الخطوة “قد تؤدي إلى تدهور أكبر في سجل إسرائيل الحقوقي”، مما قد يعزز الجهود الدولية “لفرض عقوبات عليها أو تقديم قادتها إلى المحاكم الدولية”. في حين أعربت بعض الأصوات المعارضة داخل إسرائيل عن قلقها من أن هذه القوانين ستؤدي إلى تعميق عزلة إسرائيل دولياً، وبخاصة في ظل التحقيقات الجارية في المحكمة الجنائية الدولية في شأن جرائم حرب محتملة ارتكبها الجيش الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية.
وكان المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان دافع قبل أيام عن قراره بتوجيه اتهامات لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بارتكاب جرائم حرب، قائلاً إن إسرائيل “لم تبذل أي جهد حقيقي للتحقيق في الاتهامات بنفسها”. وتمسك خان بقراره المتعلق بإصدار مذكرة اعتقال في حق نتنياهو على رغم تصويت مجلس النواب الأميركي الأسبوع الماضي، على فرض عقوبات على المحكمة احتجاجاً على ذلك، فيما وصفه بأنه خطوة “مرفوضة ومؤسفة”.
إزعاج السلطات
إلى جانب مشروع هليفي، صادقت الهيئة العامة للكنيست بأغلبية 47 عضو كنيست ومعارضة 19، على مشروع قانون آخر يقضي بعدم إلزام المحاكم الإسرائيلية بالنظر في التماسات تقدمها منظمات حقوقية تتلقى تبرعات من دول أجنبية. كما أن مشروع القانون الذي قدمه عضو الكنيست أريئيل كلنر، من حزب “الليكود”، سيخضع التبرعات التي تتلقاها تلك الجمعيات لضريبة الدخل بنسبة 80 في المئة، بعد أن كانت معفية من دفع ضرائب على تبرعات، إلا إذا قرر وزير المالية، وبمصادقة لجنة المالية في الكنيست، وضع استثناءات محددة. ويرى كثيرون أن المشروع الذي يتوقع أن يحظى بموافقة الكنيست بصورة كاملة، لا يشمل الأموال الخاصة القادمة من الخارج كالأموال التي يجري التبرع بها لجماعات إسرائيلية تؤيد الاستيطان، في حين يقضي نص مشروع القانون أنه لا ينطبق على مؤسسات عامة ممولة من موازنة الدولة. وقال كلنر مقدم مشروع القانون إن هدفه “تقليص التأثير غير المباشر لحكومات وكيانات دول أجنبية في دولة إسرائيل”، واعتبر أن “تلك المنظمات الحقوقية تعمل على نزع الشرعية عن سياسات إسرائيل ضد الفلسطينيين”، وأنها “تحول المحاكم الإسرائيلية إلى ساحة لدول أجنبية”، وذكر في حيثياته أن “هذه الظواهر تتجاوز حدود الإطار الديمقراطي وتمس بسيادة واستقلالية الدولة”.
سياسة كم الأفواه
في المقابل تنظر الجماعات الحقوقية وأصحاب جمعيات في إسرائيل تتلقى تبرعات من دول أجنبية أن مشروع القانون هذا خطوة “خطرة وغير مسبوقة ستطبق على منظمات وجمعيات تعارض أنشطة الحكومة”، واعتبروا أنها تقع ضمن سياسة كم الأفواه ومحاولة إغلاق المنظمات التي تعمل وفق القانون وتزعج السلطات.
وتوجد في إسرائيل أكثر من 30 ألف منظمة غير حكومية مسجلة، نصفها تقريبا نشط، ويركز كثير من هذه المنظمات على الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، وتتلقى أموالاً إما من الاتحاد الأوروبي أو من حكومات أوروبية بينها الدنمارك وبلجيكا والنروج والسويد. وتلزم الحكومة الإسرائيلية المنظمات غير الحكومية منذ عام 2015، بتقديم تفاصيل عن كل إصداراتها ومراسلاتها الرسمية مع المسؤولين المنتخبين في إسرائيل في شأن التبرعات القادمة من الخارج، في حال أن أكثر من نصف التمويل يأتي من حكومات أجنبية.
ووصفت حركة “السلام الآن” غير الحكومية، التي ترصد وتعارض الاستيطان اليهودي في الضفة الغربية والقدس الشرقية القانون بأنه “جريمة كراهية ضد الديمقراطية”.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
إنكار المحرقة
لم يقف الكنيست الاسرائيلي بالمصادقة على قوانين جديدة مثيرة للجدل، بل عمد إلى تعديل أخرى أكثر جدلاً في الشارع الإسرائيلي، إذ إن تعديل “قانون الدخول إلى إسرائيل”، الذي صودق عليه الأربعاء الماضي في القراءتين الثانية والثالثة، يمنع منح تأشيرات أو تصاريح دخول لمن ينكر المحرقة اليهودية “هولوكوست”، أو هجمات السابع من أكتوبر (تشرين الأول)، أو يدعم ملاحقة إسرائيليين قضائياً على خلفية خدمتهم الأمنية والعسكرية. وبحسب عضو الكنيست ميشيل بوسكيلا، الذي بادر لطرح التعديلات، فإن إسرائيل “ملزمة، مثل أية دولة أخرى في العالم، بحماية نفسها ومواطنيها وجنودها وهويتها القومية، ومنع دخول جهات معادية تضر بقواتها الأمنية”.
ويرى مراقبون أن تعديلات “قانون منع الدخول” إلى إسرائيل تنسج بصورة أو بأخرى، مع قانون عوديد فورير من حزب “يسرائيل بيتنا” الذي صودق عليه نهاية يناير (كانون الثاني) الماضي، وينص على أن “كل من يقول أو يكتب أموراً تنكر هجمات ’حماس‘ في السابع من أكتوبر بقصد الدفاع عن الحركة وشركائها، أو التعبير عن التعاطف معهم، أو التماهي معهم، سيحكم عليه بالسجن خمس سنوات”. في حين لا تعتبر التصريحات التي تقدم “بحسن نية أو لغرض مشروع”، مثل البحث العلمي أو تقديم معلومات كجزء من إجراءات قانونية، نشاطاً إجرامياً بموجب القانون.
مخاوف كبيرة
وأثار القانون الأخير مخاوف كبيرة بين نشطاء حقوق الإنسان في شأن تأثيره المحتمل في حرية التعبير، خصوصاً في ظل العدد الكبير من التحقيقات والاتهامات ضد مواطنين عرب في إسرائيل، بتهم “التحريض والتماهي مع الجماعات الإرهابية” بعد بدء الحرب في غزة. وحذر جيل غان مور الذي يترأس وحدات الحقوق المدنية والاجتماعية في “جمعية حقوق المواطن” في إسرائيل من أن القانون “مصاغ بطريقة غامضة يصعب فيها التنبؤ بكيفية تطبيقه، مما يؤثر في حرية التعبير في إسرائيل”.
No Comment! Be the first one.