
هل تم إنصاف المتقاعد في قانون التأمينات الاجتماعية؟
مقالات
24
المحامي عبد الله نويمي الهاجري
هل تم إنصاف المتقاعد في قانون التأمينات الاجتماعية؟
إن القانون رقم 1 لسنة 2022 ليس مجرد نص تشريعي ألغى القانون الذي سبقه، بل هو ثورة في مجال تأمين تقاعد المواطن القطري بما تعنيه العبارة من معنى، فقد جاء هذا القانون ليعالج مكامن القصور التي أصبحت تعرفها في الفترة الراهنة مقتضيات القانون الملغى رقم 24 لسنة 2002 بشأن التقاعد والمعاشات، خصوصا مع التطور السريع الذي يشهده المجتمع القطري وارتفاع تكلفة المعيشة عن السابق، من هذا المنطلق ليس من المبالغة اعتبار هذا القانون بمثابة انتصار للمواطنين الموظفين الحكوميين والعاملين بالقطاع الخاص، ومن يعملون لحساب أنفسهم ويرغبون في الاستفادة من مزايا هذا القانون. فقد حمل في طياته مزايا واستفادات إضافية تستجيب لمتطلبات العصر الحالي والإكراهات التي كان يندد بها المجتمع القطري لسنوات سابقة. وذلك ليس إلا إثباتا لسعي المشرع لضمان الحياة الكريمة للمتقاعد الذي سخر سنوات من عمره لخدمة المصلحة العامة للدولة. فهل نظام المعاش والمزايا الأخرى التي أصبح يستحقها المتقاعد القطري في ظل القانون الجديد فعلا أنصفت دوره داخل المجتمع؟ إن أول مستجد يمكن التنويه به في قانون التأمينات الاجتماعية هو توسيعه نطاق الفئات المستهدفة، حيث لم يعد نظام التقاعد مقتصرا على المواطن القطري الموظف بجهة حكومية أو شبه حكومية، بل أصبح شاملا كذلك للعامل القطري بالقطاع الخاص، وكل مواطن يعمل لحساب نفسه في حال أبدى رغبته في الاستفادة من مزايا القانون، وذلك بغية تحقيق العدالة الاجتماعية وضمان حياة كريمة بعد انتهاء مدة الخدمة لكل مواطن قطري.
كما أن أهم مستجد يمكن ملاحظته في هذا القانون الزيادة في نطاق المعاش والمزايا الأخرى، والرفع من قيمتها المادية مع ضبط شروط استحقاقها بما يتناسب مع مصلحة المواطن.
فإذا كان القانون القديم ينص على شروط دقيقة لازمة من أجل استحقاق المعاش، فالملاحظ على القانون الجديد أن المشرع حاول توفير جميع السبل التي يستفيد فيها المواطن القطري من صرف معاش، حتى في الحالات التي لا يستجيب فيها للشروط الأساسية، لدرجة أن المادة 44 منحت امكانية صرف معاشات استثنائية للقطريين غير المستحقين له، والمادة 42 سمحت لمن لم تتوفر فيهم شروط استحقاقه عند انتهاء الخدمة طلب صرف تعويض المدة الواحدة اذا تجاوزت مدة الاشتراك سنة.
وعند توافر شروط استحقاقه، تعتبر أهم ميزة تتعلق بالمعاش في ظل هذا القانون هي وضع حد أدنى له في القطاع الحكومي على ألا تقل عن 15.000 ريال عند الإحالة للتقاعد بصورة طبيعية، وذلك وفقا للمادة 30 منه، مع وضع حد أقصى له في مبلغ 100.000 ريال، وهو أعلى قيمة مالية منصوص عليها في التشريعات العربية المقارنة.
ولم يكتف بذلك فحسب، بل منح القانون الجديد للمتقاعد القطري إمكانية الحصول على علاوة دورية مضافة للمعاش الشهري، وذلك بقرار من مجلس الوزراء، وتتحمل جل تكاليفها الخزانة العامة الدولة.
وبالإضافة لذلك فقد جاء القانون بميزة مستجدة أثارت جدلا كبيرا داخل أوساط المواطنين القطريين، وقد سماها القانون مكافأة المدة الزائدة، وهي مبلغ على سبيل المكافأة يتم صرفه لصاحب المعاش أو أي مستحق له إذا زادت مدة الخدمة الفعلية للمتقاعد عن 30 سنة، وهنا حصل تداخل في فهم هذا المستجد لدى البعض، إذ اعتبروه إعادة الصياغة القانونية لمكافأة نهاية الخدمة المنصوص عليها ضمن المادة 117 من قانون الموارد البشرية المدنية، وأن المكافأة هي نفسها، لكن الأمر عكس ذلك تماما، فمكافأة المدة الزائدة هي ميزة جديدة تم تقنينها، يستحقها الموظف الحكومي بعد أن يحال إلى التقاعد بالشروط المذكورة أعلاه، أما مكافأة نهاية الخدمة فهي مبلغ يستحقه الموظف بجهة حكومية قبل أن يصبح متقاعدا، وتصرفها جهة عمله له في حال استوفى الشروط المنصوص عليها في المادة المذكورة أعلاه و استنادا للعلاقة التعاقدية التي تجمعه بها، وبالتالي في ظل القانون الجديد يمكن للموظف الحكومي أن يحصل على المكافأتين معا اذا تحققت الشروط المطلوبة. خصوصا وأن المادة 31 من قانون التأمينات الاجتماعية في فقرتها الأخيرة أكدت أن استحقاق مكافأة المدة الزائدة لا يحول دون استحقاق المكافآت المنصوص عليها ضمن قوانين أخرى، وهو مالا يدع مجالا للشك بشأن الجمع بين المكافأتين عند توافر الشروط اللازمة أمر مفروغ منه.
وهنا يبدو الفرق جليا إذا تمت مقارنة المزايا المالية التي يحصل عليها مواطن أحيل إلى التقاعد قبل أن يتم العمل بالقانون الجديد، أي في ظل تطبيق مقتضيات قانون التقاعد والمعاشات، ومواطن أحيل للتقاعد بتاريخ لاحق لنفاذ قانون التأمينات الاجتماعية، فبالنسبة للأول سوف يحصل على معاش شهري بناء على ما تم اقتطاعه من راتبه طيلة مدة خدمته بنسبة 5% و 10% من راتبه الأساسي المسددة شهريا منه ومن جهة عمله، على ألا يتجاوز المعاش مقدار راتبه.
ولا يجوز له في هذه الحالة الجمع بين المعاش ومكافأة نهاية الخدمة المنصوص عليها ضمن قانون الموارد البشرية. ولا يستحق هذه المكافأة إلا اذا زادت مدة خدمته الفعلية عن عشرين سنة وتتحمل قيمتها جهة عمله.
أما من بلغ سن الإحالة إلى التقاعد في ظل القانون الجديد يستحق بقوة القانون صرف معاش شهري بقيمة اخر راتب حساب اشتراكه بصندوق المعاشات، ويستحق المعاش بحسب مدة اشتراكه بهذا النظام، ويتكون راتب معاشه من قيمة اشتراكاته الشهرية المتمثلة في نسبة 7% من راتبه الشهري الأساسي مضافا إليه بدل السكن والعلاوة الاجتماعية، ونسبة 14% من نفس المستحقات تسددها جهة العمل. ونلاحظ أن المتقاعد في ظل القانون الجديد تم الرفع من نسبة راتب اشتراكه، وهو أمر طبيعي نظرا لارتفاع قيمة الأجور عن ذي قبل، كما نلاحظ أنه له يتم الاكتفاء بالاقتطاع اعتمادا على راتبه الأساسي فقط، وهو ما يصب في صالحه ليحصل على راتب معاش بقيمة عالية، خصوصا وأنه في جميع الأحوال لن يقل ذلك المعاش عن مبلغ 15.000 ريال.
كما أن هذا المتقاعد يجوز له الاستفادة من علاوة دورية على راتبه إذا تمت الموافقة عليها من الجهة المعنية.
وأيضا إن كان قضى مدة 30 سنة من الخدمة الفعلية عند التقاعد حصل على مكافأة المدة الزائدة. كما يمكنه طلب الحصول على مبلغ سلفة حسب الضوابط الواردة في المادة 69 من قانون التأمينات الاجتماعية.
أما فيما يتعلق بمكافأة نهاية الخدمة فهي تخرج من إطار تنظيم القانون الجديد، وبالتالي لا يستحقها المتقاعد الحالي إلا في حال ثبت عدم استفادته من معاش شهري، وبطبيعة الأمر في هذه الحال لا يمكنه كذلك الاستفادة من العلاوة الدورية للمعاش، ولا طلب سلفة، إلا أنه بقوة القانون يستحق علاوة المدة الزائدة إن أثبت خدمته الفعلية لمدة 30 سنة عند الإحالة للتقاعد.
عموما رغم أن قانون التأمينات الاجتماعية الجديد أحدث نقلة نوعية في المزايا والمكتسبات للمتقاعد القطري خصوصا موظفي القطاع الحكومي والهيئات المعتبرة في حكمه، إلا أن تنفيذه أبان عن مجموعة من التحديات والعوائق، مثل طول الفترة الزمنية لاستفادة المستحقين الواردين بالقانون عند البدء في تنفيذ مواده على أرض الواقع، ووجود تعارض في بعض مواده مع مواد قوانين أخرى مثل المادة 117 من قانون الموارد البشرية المدنية، التي ما زالت محل انتقاد كبير، وكذلك بروز صعوبات واقعية في تنفيذ مواده بالنسبة للقطاع الخاص ومن يعملون لحسابهم، خصوصا بالنسبة للشركات ذات رؤوس أموال صغيرة.
مقالات ذات صلة
مساحة إعلانية
No Comment! Be the first one.