
إيران: الإفلات من العقاب يسود بعد 3 سنوات من قمع الاحتجاجات
(بيروت) – قالت “هيومن رايتس ووتش” اليوم إن السلطات الإيرانية لم تجر تحقيقات فعالة ونزيهة ومستقلة في الانتهاكات الحقوقية الجسيمة والجرائم بموجب القانون الدولي التي ارتُكبت خلال احتجاجات “المرأة، الحياة، الحرية” في 2022 وما بعدها. الذكرى الثالثة للاحتجاجات تذكير صارخ للحكومات المعنية بمتابعة المساءلة الجنائية وغيرها من سبل تحقيق العدالة للضحايا وأسرهم.
خلصت “البعثة الدولية المستقلة لتقصي الحقائق في جمهورية إيران الإسلامية” (البعثة الدولية)، في تقريرها الأول في مارس/آذار 2024، إلى أن قمع السلطات الإيرانية الدموي للاحتجاجات أدى إلى انتهاكات حقوقية جسيمة وجرائم ضد الإنسانية، شملت القتل والتعذيب والاغتصاب. على الرغم من المطالبات المحلية والدولية الواسعة بالمساءلة، أشادت السلطات بقوات الأمن لقمعها الاحتجاجات، وشوّهت سمعة المتظاهرين، ورفضت شكاوى الضحايا وعائلاتهم، واضطهدت عائلات القتلى والذين تم إعدامهم.
قالت بهار صبا، باحثة أولى في شؤون إيران في هيومن رايتس ووتش: “الضحايا وأسرهم الذين عانوا من العنف الوحشي على يد السلطات الإيرانية لا أمل لهم في تحقيق العدالة، لأن أولئك الذين ينبغي لهم جبر الضرر هم أنفسهم متورطون في الانتهاكات والجرائم ويحمون المسؤولين الآخرين من المساءلة. على الدول التي يمكنها إجراء محاكمات في مثل هذه القضايا السعي وراء كل فرصة للقيام بذلك”.
استمرت لانتهاكات الحقوقية الجسيمة التي ارتكبتها السلطات الإيرانية فيما يتصل باحتجاجات “المرأة، الحياة، الحرية” لفترة طويلة بعد انتهاء الاحتجاجات في الشوارع. في تقريرها الثاني، في مارس/آذار 2025، وجدت البعثة الدولية أن السلطات واصلت ارتكاب أعمال اضطهاد ضد النساء والفتيات،وأفراد الأقليات، والضحايا وعائلاتهم الذين يسعون إلى تحقيق العدالة.
أعدمت السلطات مؤخرا رجلين على الأقل وحكمت على آخرين عدة بالإعدام في قضايا مرتبطة بالاحتجاجات. أُعدم مجاهد كوركوري في 11 يونيو/حزيران. وثّقت “منظمة العفو الدولية” أن السلطات عذبته بشدة وحكمت عليه بالإعدام في أعقاب محاكمة جائرة للغاية في قضية مرتبطة بحركة “المرأة، الحياة، الحرية”. أُعدِم مهران بهراميان شنقا في 6 سبتمبر/أيلول، وهو الرجل الـ 12 الذي يُعدم في قضايا مرتبطة بالاحتجاجات. أفادت “منظمة إيران لحقوق الإنسان”، التي تتخذ من أوسلو مقرا لها، أن السلطات عذبت بهراميان للحصول على اعترافات.
واصلت السلطات أيضا فرض القوانين والسياسات التمييزية والمهينة لفرض الحجاب التي أدت إلى وفاة مهسا جينا أميني (22 عاما) في الحجز في 16 سبتمبر/أيلول 2022. خلصت البعثة الدولية إلى أن الدولة تتحمل المسؤولية عن وفاتها غير القانونية. منذئذ، اتخذت السلطات مجموعة واسعة من الإجراءات العنيفة والقمعية لإجبار النساء والفتيات على الالتزام بقواعد الحجاب الإلزامي. شملت هذه الإجراءات الاعتقال والاحتجاز التعسفيَّيْن، والملاحقة القضائية الجائرة، والعقوبات القاسية، والحرمان من الخدمات الأساسية، والحرمان من الحقوق الأساسية بما في ذلك الحق في التعليم والصحة والعمل، ومصادرة المركبات، واستخدام تقنيات المراقبة.
قالت العديد من النساء الإيرانيات لـ هيومن رايتس ووتش إنهن سيواصلن المطالبة بحقوقهن الإنسانية رغم المخاطر الجسيمة والأثمان الشخصية الباهظة.
اضطر العديد من الناجين من حملات القمع العنيفة التي شنتها الحكومة على الاحتجاجات، بمن فيهم أولئك الذين أصيبوا بجروح خطيرة ودائمة، إلى مغادرة إيران بسبب التهديدات بالاعتقال والتعذيب والملاحقات الجنائية. ما يزال بعضهم في حالة من عدم اليقين في البلدان المجاورة، حيث يفتقرون إلى الأمان والرعاية الطبية والنفسية والعلاجات اللازمة.
أولئك الذين حصلوا على الحماية في بلدان ثالثة، بما في ذلك أوروبا، يعانون أيضا من عواقب الجرائم التي تعرضوا لها والتي غيرت حياتهم، بما في ذلك الألم الجسدي المزمن، والمضاعفات الطبية، والإصابات المتكررة بالأمراض، والصدمات النفسية. أعرب أولئك الذين يتحدثون علنا أو ينخرطون في النشاط عن خوفهم على سلامة ذويهم في إيران، الذين تعرضوا للمضايقة والاستجواب ومداهمة المنازل.
مع ذلك، أعرب الناجون عن عزمهم على السعي وراء الحقيقة والعدالة والحرية. قال شاب أصيب بطلقات معدنية خلال الاحتجاجات: “لم أعد أستطيع النوم على الجانب الأيسر من جسمي. بعد حوالي 10 دقائق، أشعر وكأنني أتعرض للطعن المتكرر. … نفسيا، ذلك يحرق الأعصاب. كنت أرفع أوزانا ثقيلة في النادي، والآن بالكاد أستطيع رفع أي شيء. [لكن] إذا بدأت الاحتجاجات غدا، سأعود [إلى الشارع]”.
بموجب القانون الدولي، تقع على عاتق الحكومة الإيرانية المسؤولية الأساسية عن التحقيق بشأن المسؤولين عن الانتهاكات الحقوقية الجسيمة والجرائم ومقاضاتهم بشكل مناسب، وضمان حصول ضحايا الانتهاكات على تعويض سريع ومناسب. إلا أن الإفلات من العقاب في إيران أمر تاريخي وسبق احتجاجات “المرأة، الحياة، الحرية” بوقت طويل. بدلا من ضمان المساءلة، أنشأت الحكومة الهياكل القانونية والقضائية في البلاد لحماية المسؤولين عن الانتهاكات والجرائم.
قالت هيومن رايتس ووتش إن على جميع الدول التي تمارس الولاية القضائية العالمية وغيرها من الولايات القضائية خارج الحدود الإقليمية أن تباشر تحقيقات جنائية مناسبة في الجرائم بموجب القانون الدولي التي ارتكبتها السلطات الإيرانية خلال احتجاجات “المرأة، الحياة، الحرية” ومنذ ذلك الحين.
قالت صبا: “يعيش العديد من الناجين من احتجاجات ‘المرأة، الحياة، الحرية’ في ظروف غير آمنة في البلدان المجاورة لإيران. على الحكومات المعنية أن تتخذ إجراءات منسقة لمساعدتهم في الحصول على الأمان والحماية والمساعدة الإنسانية”.
No Comment! Be the first one.