
القانون والنهضة في المملكة – جريدة الوطن السعودية
لقد وُضع حجر الأساس للدولة السعودية الأولى عام 1727 بقيادة الإمام محمد بن سعود في الدرعية، حيث نشأ كيان سياسي جديد يقوم على الشريعة الإسلامية ويمنح القانون مكانته في تنظيم المجتمع. ثم جاءت الدولة السعودية الثانية بقيادة الإمام تركي بن عبدالله عام 1824 لتعيد إحياء الكيان بعد حصار الدرعية، وتعزز دور الرياض كعاصمة ومرجعية سياسية وقانونية. ومع بداية القرن العشرين، برز الملك عبدالعزيز آل سعود – طيب الله ثراه – ليستعيد الرياض عام 1902، وينطلق بمشروع التوحيد الذي توّج في عام 1932 بإعلان المملكة العربية السعودية، الدولة السعودية الثالثة، التي جمعت بين جذور التاريخ ورؤية المستقبل.
واليوم، وبعد مرور ما يقارب ثلاثة قرون على يوم التأسيس، ومع التحول التاريخي الجديد الذي تقوده رؤية 2030، تعيد المملكة صياغة مؤسسات الدولة، وتحدث نقلة نوعية في الاقتصاد والمجتمع والقانون. هذا الوصف يعكس أن المملكة في طور نهضة جديدة، حيث لم يعد القانون مجرد وسيلة تنظيمية، بل صار قوة دافعة للتنمية، وإطارًا ضامنًا للعدالة وبيئة استثمارية تنافسية عالمية.
فالإصلاحات القانونية المتسارعة، من نظام الإثبات إلى نظام الأحوال الشخصية والمعاملات المدنية، تُظهر أن المملكة اختارت أن تضع القانون في قلب مشروعها الحضاري، ليكون مرآة لقيمها ومفتاحًا لازدهارها. وهذا ما يجعل الفيلسوف الألماني هيغل حاضرًا حين قال إن القانون هو الروح الموضوعية للمجتمع؛ فالقانون السعودي اليوم هو انعكاس لروح أمة تسعى للجمع بين الأصالة والحداثة، بين العدالة المتجذرة في الشريعة الإسلامية والانفتاح على المعايير العالمية.
وما يميز هذه اللحظة أن المملكة لم تعد متلقية للمعايير الدولية، بل أصبحت شريكًا فاعلًا في صياغتها. من خلال حضورها في مجموعة العشرين وتعاونها مع الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى، بات القانون السعودي جزءًا من الحضور الدولي لا مجرد نظام محلي. هذا البعد العالمي يعزز فكرة أن المرحلة الحالية تشكل دولة سعودية متميزة بروحها ومؤسساتها وأفقها الجديد.
إن اليوم العالمي للقانون في 2025 هو فرصة للتأمل في هذه الرحلة الممتدة من يوم التأسيس عام 1727، مرورًا بالدول السعودية الثلاث، وصولًا إلى النهضة الراهنة التي تعيشها المملكة في إطار رؤية 2030. وكما قال ابن خلدون: «العدل أساس العمران»، فإن العدالة القانونية اليوم هي الأساس الذي تقوم عليه نهضة المملكة وازدهارها الحضاري، في حاضرها ومستقبلها.
No Comment! Be the first one.