
المدخلية في العراق بين الولاء للسلطان وتغييب القانون | د. سوزان ئاميدي
في كثير من الحركات الإسلامية، يتكرر خطاب الطاعة والولاء، لكن مع المدخلية يكتسب هذا الخطاب بعداً مختلفاً، إذ يتحول الولاء للحاكم من مبدأ شرعي إلى قاعدة مطلقة تُلغي معها أي إمكانية للمعارضة أو المحاسبة. فالمدخليّة يرون أنّ طاعة “ولي الأمر” واجبة حتى مع الظلم والفساد، ما لم يظهر منه كفر صريح. والنتيجة أن الولاء للشخص يغلب على الولاء للقوانين والدساتير، وهو ما يخلق أرضية خصبة للاستبداد والمركزية.
في الأنظمة الديمقراطية الحديثة، يُعتبر القانون هو السيد الأعلى، ولا يُستثنى منه الحاكم نفسه. أمّا في الفكر المدخلي، فالطاعة للحاكم تعلو على كل اعتبار، وكأنّ القانون والدستور مجرد نصوص يمكن تعطيلها ما دام الحاكم قائماً. وهذا يضع المجتمع بين خيارين: إمّا القبول بواقع الاستبداد تحت شعار “الطاعة”، أو مواجهة اتهامات بالفتنة والخروج على الجماعة.
في العراق، وجدت المدخلية مساحة لنفوذها بعد 2003، خصوصاً مع الانهيار المؤسسي والفراغ الأمني. وسرعان ما تمددت في بعض مناطق بغداد والمدن السنيّة الأخرى عبر المساجد وخطاب ديني يركّز على تحريم الاحتجاج ورفض أي معارضة للحاكم. وبذلك قدّمت نفسها كأداة لإخماد الأصوات الرافضة أكثر من كونها حركة إصلاحية أو فكرية. بعض قادتها المحليين أطلقوا مواقف تُدين العمل المسلح أو حتى الاعتراض السلمي، معتبرين أن كل ذلك خروج عن الشرع.
الخطر في هذا الفكر ليس فقط في إلغاء المعارضة السياسية، بل في تحويل الدين إلى غطاء شرعي لحماية السلطة، أيّاً كانت طبيعتها. فبدل أن يكون الدين منبعاً للعدالة والحقوق، يتحول إلى وسيلة لترسيخ المركزية والدكتاتورية.
اليوم، العراق بأمسّ الحاجة إلى بناء دولة مؤسسات وقانون، لا دولة أشخاص. وإذا بقي الولاء للحاكم فوق الولاء للقانون، فسنظل ندور في حلقة مفرغة من الاستبداد، حيث يُقدّس الفرد بينما تُهمَّش القوانين والدساتير.
No Comment! Be the first one.