
تجريم التنمر في لبنان… القانون أولا
جدول المحتويات
تحول التنمر إلى ظاهرة تحقق انتشاراً واسعاً في المجتمع، فتحصد مئات الضحايا، معظمهم من الأطفال والمراهقين. أما خطوة التقدم باقتراح قانون لتجريم التنمر فتشكل خطوة مهمة في لبنان، لردع المتنمرين ونشر الوعي حول هذه الآفة.
حتى اللحظة، لا يوجد قانون محدد يعاقب على التنمر أو يحاسب المتنمر، على رغم أن التنمر بأشكاله بات يشكل آفة في المجتمع، خصوصاً في السنوات الأخيرة. وإذا كان التنمر محدوداً في الزمان والمكان قبل سنوات مضت، بوجود التنمر الرقمي، لكن خرجت الأمور عن السيطرة وأصبح المتنمر قادراً على ملاحقة ضحيته في كل لحظة من دون رحمة أو كلل ليحول حياتها إلى جحيم. يشكل اقتراح قانون جديد لتجريم هذا الآفة في اللجان النيابية خطوة مهمة في لبنان على طريق مواجهة هذه الظاهرة وردع المتنمرين، كما تشكل هذه الخطوة اعترافاً بمعاناة أية ضحية تتعرض للتنمر. وصحيح أن دولاً عدة سبقت لبنان في هذا المجال عبر وضع قانون تجريمه، لكن أن يأتي القانون متأخراً خير من ألا يأتي أبداً، حتى لا يستمر التنمر يحصد مزيداً من الضحايا.
قوانين تجرم التنمر
وضعت دول عديدة قوانين تعاقب التنمر وتجرمه، منها الولايات المتحدة الأميركية التي تطبق في ولاياتها كافة قوانين مكافحته في المدارس، وهي تلزمها بالإبلاغ عن حالات التنمر والتحقيق فيها. كذلك بالنسبة إلى كندا التي تلاحق أفعال التنمر، على رغم عدم وجود قانون فيدرالي خاص به. وفي أوروبا، لفرنسا التي تعاقب هذه الظاهرة كجريمة والسويد قوانين خاصة بمكافحته والعنف في أماكن العمل والمدارس. وكانت السويد الدولة الأولى التي فرضت قوانين لمكافحته من خلال الحوار لا العقاب، وقد طلبت من المدارس اتخاذ إجراءات استباقية لمنعه. أما في المنطقة العربية، فقد وضعت الإمارات العربية المتحدة قانوناً يتعلق بمكافحة الجرائم الإلكترونية، ويفرض عقوبات على التنمر الإلكتروني بالسجن والغرامة المالية على من يمارس التنمر أو الإساءة عبر الإنترنت، كما وضعت السعودية عقوبات في نظامها لمعاقبة المتنمرين في المدارس وخارجها.
في لبنان، شكلت الخطوة التي قام بها النائب هاكوب ترزيان باقتراح قانون لتجريم التنمر سابقة في البلاد، فهي المبادرة الأولى من هذا النوع. ويهدف اقتراح القانون الذي تقدم به إلى تجريم التنمر، إيماناً منه بضرورة التصدي لظاهرة متفاقمة في المجتمع تهدد السلامة الاجتماعية والنفسية للبنانيين. في حديثه مع “اندبندنت عربية”، أوضح النائب ترزيان أنه عندما تقدم بالاقتراح لم يكن على علم بمدى خطورة التنمر وبما له من تداعيات في العمق، وأراد آنذاك أن يتقدم بهذا الاقتراح بكل بساطة، لأنه ما من قانون في البلاد لتجريمه. أما عندما غاص في عمق هذه الظاهرة، فتبين له أن ثمة معاناة حقيقية في موضوعه، خصوصاً بعد أن استمع إلى معاناة أهل يعاني أطفالهم هذه الآفة، “كنت أعلم أن ثمة تنمراً في المدارس والجامعات، لكني لم أكن على دراية بما له من تداعيات خطرة. بدأت تصلني رسائل من الأهل حول معاناتهم، وأدركت فعلاً الحاجة الملحة إلى قانون للتعامل مع هذا الموضوع الجدي والخطر. أما الخطوة التي قمت بها، فتلاقي رسالتي الهادفة إلى دعم المستضعفين. وقد تواصلت جمعية Rise About Bullying معي، وأكد القيمون عليها أنهم يعملون في هذا المجال أيضاً، ونحن على تعاون للمضي قدماً في سبيل مواجهة التنمر في المجتمع. في الوقت نفسه، أعمل مع جمعيات أخرى للإسراع في إقرار القانون، لأننا بذلك نكون قد قطعنا شوطاً مهماً في الطريق لمكافحة التنمر الذي يعوق نمو الشخص، ويؤخره ويأخذ من فكره وشخصيته وحياته”.
وتابع ترزيان “ليست هناك أية إحاطة للتنمر في المناهج التعليمية، ويبدو واضحاً أن ثمة حاجة ماسة إلى نشر الوعي في المدارس وخارجها حول هذا الموضوع. لذلك الهدف الأساس للقانون هو الردع، حتى لا يصبح التنمر رائجاً ولتبقى الحالات التي يحصل فيها في مجتمعنا استثناء، إلى جانب نشر الوعي في المجتمع حول خطورته باعتباره جرماً له تداعياته. ومن خلال هذه الخطوات من الممكن إنشاء جيل يتقبل الآخر بما يسمح بحماية كثر من ضحايا التنمر”، ولفت إلى أنه بطبيعة الحال “تعتبر المدارس المساحة التي تنتشر فيها ظاهرة التنمر بصورة خاصة، ويزيد احتمال أن يكون المتنمر من القاصرين. في مثل هذه الحالات، المحاسبة تكون تماماً، كما في أي جرم يكون المعتدي فيه قاصراً. كما يجري العمل من خلال القانون على إلزام المدارس بالتعاطي بجدية مع هذا الموضوع في حرمها، ويسمح ذلك أيضاً بإظهار طبيعة التنمر كسلوك عدواني يمكن أن يؤدي إلى نتائج مؤسفة، وقد يؤدي إلى حالات انتحار وجرائم”.
يمر الأهل بمعاناة حقيقية تمتد أحياناً سنوات بسبب التنمر الذي يتعرض له أطفالهم في المدارس، وفي مجتمعاتنا ثمة مشكلة حقيقة في أن الأهل قد لا يدركون كيفية التعامل مع هذه الحالة، وهذا ينطبق حتى على كثير من المدارس. لذلك يعتبر وضع القانون خطوة أولى أساسية، قد لا تكون كافية لوقف التنمر في المجتمع، إلا أنها انطلاقة في الأقل لمواجهة هذه الظاهرة التي تتفاقم في مجتمعنا ولنشر الوعي حول خطورتها، إلى جانب إجراءات عديدة يمكن أن تتخذ، على أمل أن يتم إقرار القانون سريعاً في البرلمان لتنمية جيل صحي.
أضاف “بمجرد تسليط الضوء في الإعلام على اقتراح القانون وعلى هذه الظاهرة، يمكن تأكيد الحاجة الملحة إلى إقرار القانون وإطلاق حملات توعوية في المدارس وخارجها، وقد بدا واضحاً أن ثمة تجاوباً مع هذا الطرح في اللجان النيابية. في الوقت نفسه، يجري العمل على إلزام المدارس بالتعامل مع التنمر بالصورة الصحيحة، والتبليغ عن الحالات في حرمها. فالقانون الذي لا يعاقب يبقى ناقصاً، لأن العقاب وحده يشكل رادعاً في المجتمعات. وقد استطاعت الدول التي تطبق القوانين بصورة صارمة أن تحقق تقدماً مهماً، علماً أن المساحات التي يمكن أن يحصل فيها تنمر ليست المدارس وحدها، إنما أيضاً الجامعات والشركات وغيرها. وما يمكن أن نؤكده أن التنمر ظاهرة تحتاج إلى تدخل جدي في المجتمع، لما لها من تداعيات”.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
خطر أكبر على الأطفال والمراهقين
يحقق التنمر انتشاراً واسعاً في مختلف المجتمعات، لكن يبدو واضحاً أن بعض الدول سعت إلى مواجهة هذه الظاهرة عبر نشر الوعي وسن القوانين، بعد أن باتت خطورتها على المجتمع واضحة وأكيدة، وظهرت كل تداعياتها على الفئات التي تتعرض لها.
بحسب الاختصاصية في المعالجة النفسية كارول سعادة، أصبح التنمر مشكلة اجتماعية تحقق انتشاراً واسعاً، “ولعل وجود وسائل التواصل الاجتماعي شكل مجالاً أوسع لتحقق مزيد من الانتشار، إذ أصبح التنمر الرقمي يشكل مزيداً من الخطورة وله تداعيات كبرى، خصوصاً على الأطفال والمراهقين”، وتعرف سعادة التنمر بكونه عبارة عن أداء متكرر يقصد فيه شخص، هو المتنمر، إيذاء الضحية سواء بأقوال مسيئة، أم عبر وصمة الجسد، أم حتى بالإيذاء الجسدي والعنف، “كما يمكن أن يحصل عبر الإنترنت بإيذاء الشخص في كيانه وصورته. ويعتبر العزل الاجتماعي، والإيذاء الاجتماعي في المدرسة، ونشر الإشاعات وغيرها من أشكال التنمر التي يمكن أن يعتمدها المتنمرون، مع ما لذلك من تداعيات نفسية ونفس – جسدية، ويمكن ألا تظهر أحياناً التداعيات النفسية مباشرة على الضحية. فلا تكون واضحة، بل تظهر على المدى البعيد فتؤثر في ثقة الطفل بنفسه، وفي حبه لذاته، وفي قيمته الذاتية، وفي صورته لجسده، وفي علاقاته مع الآخرين. وتولد لديه حالة قلق اجتماعي وشعور بالدونية في حال تكرار فعل التنمر من دون إحاطته، والتعامل معه بالصورة الصحيحة. فثمة تداعيات خطرة لا يمكن الاستخفاف بها، لأنها تستمر وترافق الضحية في حياتها في حال عدم المعالجة”.
وبوجود العالم الرقمي، اختلف التنمر من حيث الصورة ليظهر بحلة جديدة قد تكون أكثر صعوبة، “فإذا كان التنمر المباشر محصوراً في الزمان والمكان، أتى التنمر الرقمي ليشكل تهديداً متواصلاً لا حدود له، وإن كان التنمر المباشر يمكن أن يتحول إلى عنف جسدي أيضاً، حتى أنه في التنمر الرقمي، قد لا تكون الضحية على معرفة شخصية بالمتنمرين فهم موجودون في العالم الرقمي، ويلجأون إلى التنمر كسلاح بين أيديهم. والأسوأ أنه يمكن للتنمر الرقمي أن يحقق انتشاراً سريعاً وواسعاً من خلال صورة أو فيديو، مما يسبب مزيداً من الأذى النفسي للضحية”.
“سواء في التنمر الرقمي أو في التنمر المباشر، يعتبر الأطفال والمراهقون الأكثر عرضة لخطره، وهم الأكثر تأثراً بالتنمر، كما أن الأشخاص الأكثر خجلاً وانطواء على الذات، ومن يعانون صعوبات تعلمية أو على المستوى النفسي قد يكونون أيضاً الأكثر تأثراً بالتنمر، وهم الأكثر عرضة للتنمر أيضاً”، بحسب سعادة. مع الإشارة إلى أن التنمر يمكن أن يحصل من قلب العائلة، فالأهل أو الأخوة قد يتنمرون على بعضهم.
علامات تلفت الأهل
ما يمكن ملاحظته من علامات لدى طفل، هو ضحية، هي أعراض يمكن أن تظهر بوضوح للأهل من اكتئاب يظهر للمدى القريب، إلى جانب رفض الذهاب إلى المدرسة، والبكاء المتكرر، وتراجع الشهية، والخوف الزائد من الانفصال عن الأهل، وتراجع جودة النوم، ورؤية أحلام مزعجة ليلاً. في المقابل، أشارت سعادة إلى علامات قد لا تكون واضحة إلى هذا الحد، “وعلى رأسها تراجع في العلامات والنتائج المدرسية، وتراجع القدرة على التركيز، والنشاط المفرط في حال غياب القدرة على التعبير، والانفعال الزائد، ونوبات الغضب القوية خصوصاً بعد الخروج من المدرسة. في مثل هذه الحالات، لا بد من التأكد من عدم تعرض الطفل والمراهق إلى تنمر أو مشكلات هو لا يعبر عنها بوضوح، كما يمكن ملاحظة العزلة بصورة خاصة من ضمن العلامات، وعدم الرغبة في الخروج، وعدم إقامة صداقات، والسوداوية في الأفكار، مع تراجع الثقة بالذات”، أما على المدى البعيد “فيؤثر التنمر في علاقات الطفل أو المراهق أو أية ضحية تنمر مع الآخرين، فيكون شخصاً عدوانياً سريع الانفعال، أو يمكن أن يعاني قلقاً اجتماعياً في علاقاته، ويشعر بتوتر دائم. ويمكن أن يؤثر ذلك في حياته المهنية، وفي عطائه في المجتمع ومستقبله، من دون أن ننسى أنه قد يتحول إلى شخص متنمر لاحقاً بعد تعرضه للتنمر في مرحلة ما. وهو قد يصبح شخصاً يبحث عن الكمال، لأنه تعرض لانتقادات لاذعة في مرحلة ما، وقد تصبح شخصيته نرجسية متنمرة ومتحكمة بالآخر”.
صحيح أن الردع قد يشكل حلاً مهماً، بحسب سعادة، لكنها شددت على أهمية معالجة الأسباب الأساسية والوقاية التي تعتبر الأهم، إلى جانب نشر الوعي في المدارس وفي مختلف الأماكن ليصبح التحدث عن الموضوع أكثر سهولة، “علماً أن المتنمر هو أيضاً شخص يعاني مشكلات نفسية، ويحتاج إلى الإحاطة والدعم النفسي له والمساعدة، وبالتالي من المهم التوفيق بين العلاج والمحاسبة”.
No Comment! Be the first one.