
حمدي ولد محجوب.. رجل القانون الذي حمل همّ الوطن

في مدينة نواذيبو الساحلية، وُلد حمدي ولد محجوب عام 1953، في فترة كانت فيها موريتانيا تخطو خطواتها الأولى نحو بناء الدولة الحديثة. ترعرع في هذه المدينة التي عرفت منذ نشأتها بالتنوع والانفتاح، وبدأ منها رحلته مع التعليم، في واحدة من أعرق مدارس البلاد، مدرسة “أنطوان دي سانت إكزوبيري”، حيث غُرست فيه القيم الأولى للانضباط والجدية والمعرفة.
منذ صغره، بدا أن الطفل الهادئ يحمل طموحاً أكبر من جدران الفصول الدراسية، بعد الدراسة الابتدائية غادر مدينة الام إلى الثانوية الوطنية في نواكشوط، التي كانت آنذاك القلب النابض للتعليم العصري في موريتانيا. هناك نال شهادة البكالوريا في شعبة الآداب، وأخذ أولى خطواته نحو العالمية.
اختار حمدي تونس وجهةً جامعية، حيث درس القانون الخاص في جامعة تونس، ونال شهادة المتريز، متمكناً من لغتين أساسيتين في عمله المستقبلي: العربية والفرنسية، وهو ما جعله رجل حوار وفهم وتواصل، سواء داخل الوطن أو في المحافل الدولية.
في عام 1978، بدأ مشواره المهني حين سُجّل في سلك المحامين الموريتانيين، وسرعان ما بزغ نجمه لما امتلكه من مهنية وصدق في التعاطي مع القضايا. لم يكتفِ بالتموضع داخل مجاله المهني، بل سعى لتوسيع أثره، فكان نقيباً لسلك المحامين الموريتانيين (1983 – 1985)، وعضواً في المكتب الدائم لسلك المحامين العرب، ما أتاح له نسج علاقات واسعة في المجال الحقوقي عربياً وإفريقياً.
لم يكن غريباً أن يكون من المؤسسين للاتحاد الإفريقي للمحامين (1979)، ثم أحد أعمدة الرابطة الموريتانية لحقوق الإنسان (1985)، وهو ما يعكس التقاء القانون بالضمير في شخصه، فقد كانت العدالة عنده ليست مجرد نصوص، بل مسؤولية تجاه الإنسان والمجتمع.
دخل حمدي ولد محجوب معترك السياسة من بوابة العمل البلدي، حين انتُخب عمدة لبلدية نواذيبو عام 1987، حيث عمل على خدمة مدينته الأم حتى 1990. لم يتعامل مع المنصب كمجرد مهمة إدارية، بل كفرصة لتغيير واقع الناس وتحسين ظروفهم.
لاحقاً، عاد إلى مهنة المحاماة، ومع تراكم خبراته، اعتمد في 2001 محامياً لدى المحكمة الجنائية الدولية الخاصة برواندا، وهو إنجاز يُحسب له دولياً.
ثم عاد إلى الواجهة في ظرف حساس من تاريخ البلاد، حين عُيّن نائباً لرئيس اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات في أبريل 2009، ثم رئيساً بالنيابة للجنة في يوليو من نفس العام، وأدار مرحلة انتخابية هامة شهدت مشاركة المعارضة، في ظرف كان يتطلب شخصية توافقية تتمتع بالمصداقية.
تولى منصب وزير الاتصال والعلاقات مع البرلمان عام 2012، ثم مديراً عاماً للوكالة الوطنية للتضامن في أبريل 2013، وهي وكالة كان لها دور محوري في مكافحة الفقر ومخلفات الرق، وكانت تتبع مباشرة لرئاسة الجمهورية. وقد أشرف على تنفيذ مشاريع تنموية في مناطق نائية، ليترك بصمة واضحة في حياة آلاف المواطنين.
يُحسب له الفضل، بعد الله، في تحرير العديد من “آدوابه ” من الفقر والتهميش، كما يُنسب إليه دوره البارز في تحرير الفضاء السمعي البصري في موريتانيا، في خطوة فتحت المجال أمام التعددية الإعلامية والتعبير الحر.
حمدي ولد محجوب ليس مجرد إداري أو سياسي، بل هو رجل دولة بكل ما تحمله الكلمة من معنى. يُجمع من عرفوه على صفاته الشخصية: الصدق، النزاهة، التواضع، والحرص على خدمة الضعفاء. لم يكن يوماً باحثاً عن الأضواء، لكنه كان حاضراً حيث يُطلب الإنصاف وحيث يُرفع الظلم.
في سيرة حمدي ولد محجوب تتجسد ملامح رجل حمل الوطن في قلبه، وجعله في مقدمة أولوياته، سواء عبر المحاماة، أو من خلال العمل الحقوقي، أو في إدارة الشأن العام. هو واحد من الذين نحتوا حضورهم بالعمل لا بالشعارات، وبقي اسمه مقترناً بالإنجازات والتجرد في زمنٍ قلّ فيه المخلصون.
أربعاء, 17/09/2025 – 11:06
No Comment! Be the first one.