
قانون جزائري مثير للجدل يمنح المواطنين صلاحية ضبط الجناة
الجزائر – أثار قانون الإجراءات الجزائية في الجزائر جدلاً واسعاً بعد تجدد النقاش حول المادة 94، التي تخوّل للمواطنين ضبط الجناة في حالة التلبس بجناية أو جنحة معاقب عليها بالحبس، واقتيادهم مباشرة إلى أقرب ضابط شرطة قضائية. حيث أيد كثيرون تطبيق نص المادة فيما عارضه آخرون لدواع تنظيمية.
وعاد النقاش بقوة عقب سلسلة جرائم وثّقتها كاميرات المراقبة أو الهواتف، منها حادثة سرقة كهل تحت التهديد بالسلاح في ولاية أم البواقي، والاعتداء على امرأتين في سيارتهما ببلدية عين البنيان بالعاصمة. ورغم وجود شهود، فإن معظمهم لم يتدخل، إما خوفاً من الجناة أو خشية التورط قضائياً.
ودخل القانون الجديد الذي تمت المصادقة عليه يوم 3 أغسطس 2025 ونُشر في الجريدة الرسمية، حيّز التنفيذ ليُعيد رسم ملامح العدالة الجزائية في الجزائر، ويُحدد أدوار النيابة العامة بشكل مغاير، جامعًا بين السرعة في الفصل والصرامة في الردع.
ويتضمن 890 مادة، ويؤسس لعدالة أسرع وأكثر مركزية حول وكيل الجمهورية، مع توسيع صلاحياته بشكل غير مسبوق.
وأوضحت المحامية والمستشارة القانونية فتيحة رويبي في تصريحات صحافية، أن المادة ليست مستحدثة، بل تعود إلى الأمر الصادر عام 1966، مؤكدة أن المشرع أراد منذ عقود إشراك المواطن في حماية النظام العام، موضحة أن النقاش تجدد مع تزايد حوادث الاعتداء التي صدمت الرأي العام، على غرار واقعة الاعتداء على امرأة منقبة في سطيف.
وذكرت رويبي، أن تطبيق المادة يحصر دور المواطن في الإمساك بالمجرم أثناء التلبس وتسليمه فوراً للشرطة، محذّرة من أي استعمال مفرط للقوة أو احتجاز طويل قد يعرّض المواطن نفسه للمساءلة، ورأت أن النص يمكن أن يشكّل أداة ردع فعالة إذا طُبق كما أراده المشرع، لأنه يوازن بين حماية المجتمع واحترام حقوق الأفراد.
لكن الخبير الاجتماعي عبد الحفيظ صندوقي اعتبر أن المادة تحمل مخاطر عملية، مشيراً إلى أن المجتمع يفتقر للوعي الكافي بحدودها القانونية، وشدد على ضرورة تهيئة مجتمعية وثقافية وقانونية طويلة الأمد قبل تطبيقها بفعالية، إضافة إلى وضع ضمانات لحماية المتدخلين من أي انتقام محتمل.
وفي مايو/أيار الماضي صادق نواب المجلس الشعبي الوطني، بالأغلبية على مشروع قانون الإجراءات الجزائية، في جلسة عامة خصصت لهذا الغرض.
وفي كلمته عقب التصويت، اعتبر وزير العدل حافظ الأختام لطفي بوجمعة، أن هذا القانون يمثل وسيلة لتحقيق التوازن بين حق الدولة في مكافحة الإجرام، وضمان حماية الحقوق والحريات، مشددًا على أنه يُعد لبنة جديدة ضمن مسار إصلاح العدالة الجزائرية، ويدعم دور القضاء كحصن منيع للحريات، وركيزة أساسية في بناء دولة الحق والقانون.
وأكد الوزير أن النسخة المصادق عليها استوعبت أبرز التوصيات التي قدمتها هيئة الدفاع، مثمنًا في هذا السياق عمل لجنة الشؤون القانونية والإدارية والحريات التي اعتمدت جملة من التعديلات الجوهرية، أهمها إلغاء نظام “المدافع”، وتكريس المحامي كطرف وحيد في الدفاع، سواء بصفة اختيارية أو وجوبية.
وجاء القانون الجديد أيضًا بتحول لافت في التواصل القضائي. فبموجب المادة 19، صار بإمكان النيابة نشر هوية وصور المتهمين في قضايا المخدرات والجريمة المنظمة إذا اقتضت ذلك مصلحة الأمن العام، لتعويض المادة 11 السابقة. وهذه الخطوة تُقدَّم كآلية ردعية وتشجيعًا على التعاون مع المجتمع لتسريع توقيف الجناة.
كما شدد النص على الجانب الردعي من خلال تمكين النيابة من التحقيق في مصدر أموال المشتبه بهم داخل الجزائر أو خارجها، مع إمكانية تجميدها احترازيًا إلى غاية صدور حكم بالبراءة أو قرار نهائي بعدم المتابعة.
وتشمل الإجراءات أيضًا منع السفر طيلة فترة التحقيق. وإلغاء الاستعانة بالأقارب في مواد الجنايات. وإلغاء الوساطة أمام الضبطية القضائية. وتعزيز صلاحيات المحامين على امتداد كافة مراحل الدعوى العمومية. وإلغاء صلاحية الجهة القضائية في مطالبة الدفاع بسحب الأسئلة، مع تمكين المحامي من إبداء ملاحظاته بشكل مباشر. وإلزام المحكمة العليا بالإجابة على جميع أوجه الطعن، سواء تم قبولها أو رفضها.
وفي هذا الإطار، دعا الوزير الاتحاد الوطني للمحامين وهيئة الدفاع إلى تعزيز التنسيق والتعاون مع مؤسسات الدولة لبناء منظومة عدالة قوية ترتكز على العدالة، المساواة، واستقلالية القضاء.
No Comment! Be the first one.