
قانون «وضع اليد»: تحفيز التنافس بين الوزارات والمحافظات.. والإيرادات كلمة السر
مرر مجلس النواب، مطلع الشهر الجاري، قانونًا قدمته الحكومة بشأن «قواعد وإجراءات التصرف في أملاك الدولة الخاصة»، ينظم إجراءات تقنين حالات وضع اليد على أراضي الدولة، والذي جاء على أنقاض قانون صدر عام 2017 وتوقف العمل به، كحلقة أخيرة في محاولات الدولة لحصر ممتلكاتها والاستفادة منها.
يستند منطق القانون الجديد بشكل أساسي إلى منح المحافظات صلاحيات أوسع تمكنها من مزاحمة الجهات الإدارية صاحبة الولاية الأصلية على الأراضي، إلى جانب منح العاملين على إنهاء إجراءات التقنين نسبة معتبرة من حصيلة الفحص والمعاينة التي تسبق إجراءات التقنين، في اعتراف ضمني بضرورة تحفيز المستويات الدنيا من البيروقراطية على العمل.
كان تقرير اللجنة البرلمانية المشتركة التي ناقشت مشروع القانون اعترف بأن التطبيق العملي للقانون السابق؛ رقم 144 لسنة 2017، ولائحته التنفيذية «أثبت عدم قدرتهما على مواجهة المشكلة ووضع حلول جذرية لها»، مرجعًا ذلك إلى عدد من المعوقات، من بينها «تأخر وبطء المعاينات، وارتفاع رسوم الفحص والمعاينة، وعرض التظلمات على ذات اللجنة المختصة بالبت، فضلًا عن عشوائية ومغالاة اللجان المختصة بتقدير أسعار أملاك الدولة الخاصة، مما أدى إلى عزوف المواطنين عن التقدم لتقنين أوضاعهم».
القانون الجديد، الذي ينتظر تصديق رئيس الجمهورية والنشر في الجريدة الرسمية ليدخل حيز التنفيذ، يتضمن تحولًا واضحًا في طريقة التعامل مع حصيلة إيرادات التقنين، إذ يجعلها حقًا للخزانة العامة، لا للجهات الإدارية المختلفة صاحبة الولاية الأصلية على الأراضي، ما يعكس حاجة الدولة إلى تحصيل إيرادات أكبر بشكل مركزي، وهو ما يعززه إقرار القانون تحصيل الإيرادات بديلًا عن الإزالة ولو مؤقتًا، حتى في الحالات التي تستلزم الإزالة.
ومع تحفيزه لأدوار المحافظات وجهات التنفيذ، يمنح القانون الجديد رئيس الجمهورية دورًا «رقابيًا» أعلى فيما يخص عملية تقنين وضع اليد أو الإزالة، بينما يحتفظ بالامتياز الممنوح لوزارة الدفاع في القانون القديم، الذي يقضي بضرورة موافقتها المسبقة على إجراءات التقنين.
منافسة بين الوزارات والمحافظات:
يتيح القانون الجديد قدرًا من المنافسة بين المحافظات والوزارات فيما يتعلق بالسلطة على الأراضي، بسماحه للأولى بالتصرف في الأراضي بالإيجار أو حق الانتفاع لواضعي اليد، في حالة عدم بت «الجهة الإدارية المختصة» في طلبات التقنين خلال ستة أشهر من تاريخ انتهاء مدة تقديمها.
عضو في لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب، طلب عدم ذكر اسمه، رأى أن هذا التوجه يعد اعترافًا عمليًا بتقصير الجهات الإدارية صاحبة الولاية على الأراضي في إتمام إجراءات التقنين، ما يتطلب إيجاد منافسة من المحافظات لتحفيزها على تسريع إجراءاتها.
ويدعم هذا التوجه حاجة المحافظات نفسها إلى الإيرادات في حالة قيامها بالإجراءات، إذ احتفظ القانون الجديد بحقها في الحصول على 20% من المبالغ التي تتولى تحصيلها ضمن إجراءات تنفيذ القانون، وهو نفس ما كان منصوصًا عليه في القانون السابق.
هذا الاعتراف بتقصير الجهات الإدارية، كما يقول المصدر، يدعمه توجه القانون الواضح إلى تحفيز المستويات الدنيا من البيروقراطية التابعة لتلك الجهات، عبر ما نص عليه من تخصيص نسبة لا تزيد على 30% من رسوم الفحص والمعاينة للجهات القائمة على تطبيق أحكام القانون، يتم التصرف فيها على النحو الذي يصدر به قرار من رئيس مجلس الوزراء بناء على عرض وزير المالية.
ويرى المصدر أن التجربة أثبتت أن تطبيق إجراءات التقنين يحتاج إلى حوافز للعاملين، وهو ما ظهر في بطء إجراءات التقنين منذ صدور القانون السابق، «اتضح فعليًا أن قطاعات من العاملين المرتبط عملهم بشكل مباشر بهذا القانون لن يتحركوا إلا إذا حصلوا على جانب من الإيرادات، وهو ما يعترف به القانون ضمنًا».
اعتراف بالصعوبات الأمنية.. الإيرادات أولًا:
يفرض القانون الجديد تحصيل مقابل مالي عن الانتفاع بالأراضي، حتى في حالة عدم تقنين وضع اليد، إذ يلزم الجهة الإدارية في الحالات التي لا يتم فيها تقنين وضع اليد لأي سبب، وفي حالات تعذر إزالة التعديات مؤقتًا، بتحصيل مقابل انتفاع من واضعي اليد، دون أن يعني ذلك أي حقوق لهم.
المصدر في لجنة الخطة والموازنة قال لـ«مدى مصر» إن النص السابق يسلط الضوء على اتساع نطاق الحالات التي تفشل فيها سلطات الدولة في إزالة التعديات عن الأراضي، لأسباب أمنية على الأغلب، معتبرًا أن النص يسمح ببقاء الوضع معلقًا لفترة طويلة دون إتمام إجراءات الإزالة ودون تقنين وضع اليد، «لكن الدولة هنا تتعامل بمنطق أن الأولوية هي الإيرادات ما دامت قد عجزت عن إزالة التعديات».
المقابل المنصوص عليه في القانون لا تزيد قيمته على مائة جنيه عن كل متر مربع سنويًا للأرض المقام عليها بناء، وعشرين ألف جنيه سنويًا للفدان الواحد من الأرض الزراعية والمستصلحة، يزيدان بنسبة 5% سنويًا، لحين إتمام إزالة التعدي.
سيطرة مركزية على الإيرادات:
تنص المادة التاسعة من القانون على اعتبار حصيلة التصرف في الأراضي، وفقًا لأحكام القانون، بما فيها الرسوم، أموالًا عامة تؤول إلى الخزانة العامة، التي تلتزم بتخصيص 20% من تلك الحصيلة إلى الجهات الإدارية المختصة، صاحبة الولاية على الأراضي، على أن يصدر بتحديد الأغراض التي تخصص لها وقواعد وإجراءات وحدود الصرف منها قرار من مجلس الوزراء بناء على اقتراح الوزير التابع له الجهة صاحبة الولاية.
ويمثل هذا النص تحولًا عن التوجه الذي كان معمولًا به في القانون السابق، والذي كان ينص على أن تعد حصيلة التصرف في الأراضي، بما فيها الرسوم «موردًا من موارد الجهة الإدارية المختصة [صاحبة الولاية]»، وأن يصدر بتحديد الأغراض التي تخصص لها وقواعد الصرف منها وإجراءاته وحدوده قرار من مجلس الوزراء بناء على اقتراح الوزير التابع له الجهة صاحبة الولاية وعرض وزير المالية.
الكلمة الأخيرة لوزارة الدفاع:
يشترط القانون الجديد موافقة وزارة الدفاع على أي تصرف في الأراضي المملوكة للدولة «وفق الشروط والقواعد التي تتطلبها شئون الدفاع عن الدولة»، وهو نفس النص تقريبًا الذي ورد في القانون السابق.
عضو لجنة الخطة والموازنة في مجلس النواب، محمد بدراوي، أرجع هذا النص إلى أن معظم الأراضي التي يتم وضع اليد عليها تقع في مناطق بعيدة جغرافيًا عن المركز، كالأراضي الصحراوية، ما يجعلها على الأغلب تحت ولاية وزارة الدفاع.
في المقابل، ينتقد عضو في اللجنة الاستشارية للاقتصاد الكلي التابعة لمجلس الوزراء هذا التوجه، إذ يرى أن وزارة الدفاع تمارس أدوارًا استثمارية وأنشطة هادفة للربح، عبر جهاز مشروعات الأراضي التابع لها، «وهو ما يجعلها لاعبًا في السوق، لا يحق له بالتالي أن يلعب دور «الحكم» الذي يسمح به القانون، حتى لو كان ظاهر اللفظ يشير إلى متطلبات الدفاع عن البلاد»، حسبما قال المصدر الذي طلب عدم ذكر اسمه، مضيفًا: «عنصر تضارب المصالح يبدو واضحًا هنا».
دور إشرافي لرئيس الجمهورية:
بحسب القانون الجديد، تتولى لجنة استرداد أراضي الدولة، الإشراف على دورة طلبات التقنين ومتابعتها حتى انتهاء مراحلها، إلى جانب إعداد تقارير ربع سنوية تتضمن نتائج أعمال الجهات الإدارية بشأن تطبيق أحكام القانون، تعرض على رئيس الجمهورية.
وكيل لجنة الإدارة المحلية في مجلس النواب، وفيق عزت، قال لـ«مدى مصر» إن «القانون يستحدث إشراف مؤسسة الرئاسة على مجريات العمل بالقانون، لأن الوضع الجديد الذي تعمل فيه جهات إدارية متعددة جنبًا إلى جنب يخلق ضرورة لدور الرئاسة كحكم بين تلك الجهات».
كان القانون السابق، الصادر عام 2017، خلا من أي دور للجنة استرداد أراضي الدولة، لكن عزت أوضح لـ«مدى مصر» أن اللجنة أدت دورًا إشرافيًا على عمليات تقنين وضع اليد طوال تلك الفترة استنادًا إلى لائحة عملها.
وتبعًا لقرار تأسيسها عام 2016، تضطلع لجنة استرداد أراضي الدولة بحصر «كافة الأراضي التي يثبت الاستيلاء عليها بغير حق، واستردادها بكافة الطرق القانونية، وحصر كافة الديون المستحقة للجهات صاحبة الولاية على الأرض وتصنيف المدينين بهذه المستحقات، والتنسيق مع الجهات صاحبة الولاية بشأن الإجراءات القانونية والإدارية المتبعة لاسترداد الأرض المستولى عليها ومتابعتها، واسترداد أموال الدولة المستحقة في أي صورة كانت وفقًا للقوانين المنظمة لكل جهة من جهات الولاية على الأراضي».
No Comment! Be the first one.