
قوانين نورنبرغ قبل 90 عاما .. نتاج أيديولوجيا نازية قاتلة – DW – 2025/9/15
جدول المحتويات
مَنْ هو الألماني؟ وكيف يصبح المرء ألمانيًا؟ أسئلة يتجادل حولها الألمان منذ قرون من الزمن.
في الواقع حسم القانون الأساسي (الدستور الألماني) هذه الأسئلة بصيغة موضوعية ومختصرة: الألماني هو من يحمل جواز سفر ألماني. ولا يمكن سحب الجنسية الألمانية منه. كما أنَّ أي تمييز ضد المواطنين بسبب دينهم أو أصلهم أو لغتهم ينتهك قيم الدستور الأساسية.
وهذا أحد الدروس المستخلصة من حكم النازيين الإرهابي من عام 1933 حتى عام 1945، والذي حرم بشكل منهجي ومنظم السكان الألمان اليهود وكذلك الغجر السنتي والروما والمثليين والأشخاص المحرومين اجتماعيًا والمعارضين السياسيين من حقوقهم وأرهبهم وقتلهم. وتم حرمانهم تعسفيًا من هويتهم الألمانية.
عنصرية النسب لم تطوى صفحتها
والمثير للقلق الآن وبعد 80 عامًا من انتهاء حكم النازيين أنَّ قيمة المساواة الأساسية بين جميع الألمان باتت تعتبر موضع تشكيك متزايد.
فقد أعلن في تموز/ يوليو 2023 على منصة إكس شتيفان مولر، رئيس فرع حزب البديل من أجل ألمانيا (AfD) في ولاية تورينغن، أن “كونك ألمانيًا فهذا يتحدد بين أذنيك وليس على الورق”. وهذا التصريح يشكك في المساواة بين الألمان. وهو واحد من مئات الأسباب التي جعلت الكثير من المحاكم الألمانية تؤكد مرارًا وتكرارًا على عدم دستورية بعض أجزاء حزب البديل من أجل ألمانيا.
وبسسب مثل هذه التصريحات أيضًا فإنَّ المؤرخ رولف أولريش كونتسه، من معهد كارلسروه للتكنولوجيا، وهو جامعة متميزة في جنوب غرب ألمانيا، يرى أنَّ حزب البديل من أجل ألمانيا يمثّل استمرارية تاريخية، ويقول “من وجهة نظري فإنَّ برنامج حزب البديل من أجل ألمانيا يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالأيديولوجية النازية”، ويضيف أستاذ التاريخ الألماني الحديث في حوار مع DW أنَّ “التمييز في ذلك الوقت بين مواطني الرايخ ومواطني الدولة كان منظمًا فيما يعرف باسم قانون مواطنة الرايخ ضمن قوانين نورنبرغ. وهذا يشبه بشكل مباشر فكرة حزب البديل من أجل ألمانيا عن التمييز بين ‘الألمان الحقيقيين‘ و’الألمان حاملي جواز السفر الألماني‘”.
وعندما قام أدولف هتلر في 15 أيلول/ سبتمبر 1935 بإصدار قوانينه المعروفة باسم “قوانين العرق” في نورنبرغ من خلال البرلمان المتحالف معه، كان اضطهاد السكان اليهود قد أصبح منذ فترة طويلة جزءًا من الحياة اليومية. وكانت ميليشيا هتلر شبه العسكرية ترهب الناس في الشوارع، وقد تم افتتاح أولى معسكرات الاعتقال النازية. ولكن القوانين الخاصة بتجريد السكان اليهود من حقوقهم كانت مع ذلك خطوة مهمة في الطريق إلى سياسة الإبادةالألمانية.
قوانين نورنبرغ: تشريع الظلم
وقد “كان ذلك ما نسميه اليوم بتشريع الظلم”، كما يقول كونتسه. وكانت تلك القوانين تحتوي على محتويين رئيسيين: أولًا، منعت السكان اليهود من الزواج ممن يسمون “آريين”، ووضعت حتى العلاقات الجنسية تحت طائلة العقاب. وبالإضافة إلى ذلك لم يعد اليهود يتمتعون بنفس الحقوق. وذلك لأنَّهم على الرغم من بقائهم يحملون الجنسية الألمانية، ولكنهم لم يعودوا من مواطني الرايخ الألماني. وفقدوا بذلك حقوقهم السياسية، واعتُبروا مواطنين من الدرجة الثانية.
وهذا “يتعلق بنظرية تفوق ما يعرف باسم العرق الأبيض على جميع الأعراق الأخرى، وتمكينهم الذاتي لحكم العالم”، كما قال رولف أولريش كونتسه: “هذا النوع من عنصرية النسب هو نتاج مباشر لأقدم أشكال التمييز المعروفة على الإطلاق في تاريخ الثقافة الأوروبية، أي معاداة السامية“.
لقد أدت هذه القوانين في الواقع الاجتماعي إلى عملية انحدار سخيفة لتحديد من يجب اعتباره يهوديًا بالضبط. وقد ميّز بذلك رجال القانون في الإدارة النازية بين الأشخاص “ذوي الدم الألماني” و”المختلطين عرقيًا من الدرجة الأولى” و”المختلطين عرقيًا من الدرجة الثانية” و”ربع اليهود”. وفي النهاية كانت هذه الفئات تحدد إما الحياة أو الموت.
ولكن رغم أنَّ سياسة الإبادة انتهت في عام 1945 مع نهاية الحرب العالمية الثانية والانتصار على ألمانيا النازية، ورغم أنَّ الألمان منحوا أنفسهم دستورًا جديدًا حرًا: يبدو أنَّ عنصرية النسب لم يتم التغلب عليها حتى يومنا هذا.
وفي هذا الصدد انتقدت الوضع في حوار مع DW، كارين تايلور رئيسة المؤتمر الاتحادي لمنظمات المهاجرين في ألمانيا، قائلة: “بعض الناس في ألمانيا يتمتعون بمساواة أكثر من غيرهم. وبعبارة واضحة: إنَّ تعهّد القانون الأساسي بالمساواة ينطبق عمليًا بشكل خاص على الأشخاص ذوي ‘الدم الألماني‘. والأشخاص المهاجرون بشكل خاص يعانون من عدم تمتعهم بنفس القدر من الحماية”.
وتُعزز هذا الانطباع مطالبُ اليمينيين المتطرفين بسحب الجنسية الألمانية من المهاجرين.
الهجرة: الحديث عن الجوانب الإيجابية
ما هو المطلوب للتغلب على عنصرية النسب في المجتمع الألماني؟ تقول كارين تايلور: “نادرًا جدًا ما نتحدث عن الجوانب الإيجابية للهجرة. وفي برلين نحن فخورون بأننا نستطيع السفر في مدينتنا عبر مطابخ العالم، وبتنوعنا الثقافي. ولكن الهجرة أكثر من مجرد طعام وبرامج ثقافية: فهي تتعلق بالناس وقصصهم وتقاليدهم، التي تثري ألمانيا بشكل مستدام”.
وكارين تايلور تدعو كل فرد إلى المساهمة بدوره من أجل التغلب على التحيزات العنصرية والمعادية للسامية تجاه فئات من المجتمع الألماني. وتقول: “من الخطأ انتظار الدولة. كل فرد منا – في المدرسة، وفي النوادي والجمعيات، وفي الحياة اليومية – يمكنه تحمل المسؤولية”.
أعده للعربية: رائد الباش/ تحرير: عارف جابو
No Comment! Be the first one.