
هدية سياسية من ترامب لأنصار قطاع الطاقة النظيفة
سايمون موندي
قال دونالد ترامب، يوم الجمعة الماضي، بينما كان يوقّع على مشروع «القانون الكبير والجميل»، حسبما يصفه، ليصبح قانوناً ملزماً: «إن الشعب سعيد». لكنهم ليسوا كذلك، أو على الأقل فيما يخص القانون الجديد، ففي استطلاع أجرته «فوكس نيوز»، المعروفة بميلها المحافظ عبّر 59 % من المستجيبين عن معارضتهم للقانون، وهي نتيجة تتناقض مع ما أظهرته استطلاعات رأي أخرى.
ليس من الصعب معرفة السبب وراء ذلك، فوفق دراسة أجراها باحثون في جامعة ييل، سيزيد القانون الجديد الدين الوطني بمقدار 3 تريليونات دولار، خلال العقد المقبل، وذلك لحساب تمويل تخفيضات ضريبية لصالح الأثرياء في الأساس. ولموازنة التأثيرات السلبية للقانون بصورة جزئية سيتم فرض تدابير أخرى، تشمل الرعاية الصحية والمساعدات الغذائية، والطاقة النظيفة، لكن بصورة غير متناسبة، تضر الأقل ثراء.
من جانبه يكافح قطاع الطاقة منخفضة الكربون صعوبة في بناء إجماع وطني حول المزايا، التي ستجنيها الأسر الأمريكية من نمو هذا القطاع إلى يومنا هذا، إلا أن قيام دونالد ترامب بتقويض نمو القطاع من خلال إبطال قانون «خفض التضخم» الداعم للبيئة، الذي أقره جو بايدن، يمنح هذا القطاع ومناصريه أفضل فرصة لهم، لإيصال رسالتهم حول أهمية هذا القطاع.
ويتعلق جزء رئيسي من هذه الرسالة بالوظائف، فقد أشارت دراسة أجراها مركز «إنيرجي إنوفيشن» البحثي في مايو الماضي إلى أن نسخة سابقة من قانون ترامب كانت ستكلف أمريكا 830,000 وظيفة بحلول عام 2030، نتيجة خفض الحوافز الضريبية للاستثمار في الطاقة النظيفة والإنفاق عليها.
كما حذر المجلس الدولي للنقل النظيف في أبريل الماضي من أن تكلفة التخلي عن قانون «خفض التضخم» ستصل إلى 130,000 وظيفة في سلاسل توريد المركبات الكهربائية. وتشمل هذه التقديرات الوظائف الحالية والوظائف التي كان سيتم خلقها لو استمر تطبيق «قانون الحد من التضخم».
ويمكن التشكيك في مثل هذه التوقعات، كما أن القانون الجديد لا يلغي تماماً قانون «خفض التضخم»، إلا أن الخسائر الكبيرة في الوظائف واضحة بالفعل، حيث ألغت الشركات استثماراتها استجابة للإلغاء المتوقع لقانون «خفض التضخم»، وبسبب حالة عدم اليقين السياسي الأوسع نطاقاً المحيطة بقطاع الطاقة النظيفة في أمريكا.
وتقدر مجموعة E2، وهي مجموعة أعمال غير ربحية، أن استثمارات الطاقة النظيفة المخطط لها في أيريكا بقيمة 15.5 مليار دولار قد ذهبت أدراج الرياح حتى الآن هذا العام، وهو ما يعني فقدان نحو 12 ألف وظيفة، والأهم من ذلك هو أن أغلبية هذه الوظائف المفقودة جاءت في ولايات مؤيدة للحزب الجمهوري أو ولايات متأرجحة، وهي التي كانت لتستفيد بشكل أكبر من غيرها من الاستثمارات في الطاقة النظيفة، التي يحفزها قانون خفض التضخم.
وكانت الوظائف الجديدة المرتبطة بقطاع الطاقة النظيفة في مناطق حزام الصدأ، التي تعيش معاناة طويلة، مثل ولايتي أوهايو وميتشغن، لتكون رمزاً قوياً لمؤيدي الطاقة منخفضة الانبعاثات الكربونية، ويمكن لفقدان هذه الوظائف أن يُستغل أيضاً كونه سلاحاً سياسياً فعالاً. وكانت الوظائف الخضراء الجديدة في مناطق حزام الصدأ، التي عانت طويلاً في ولايات مثل أوهايو وميشيغان ستُمثل رمزاً قوياً لمناصري الطاقة منخفضة الكربون، ويمكن استغلال خسارتها لتحقيق تأثير سياسي قوي.
وأبرز ما في الأمر هو أسعار الكهرباء، التي تشهد ارتفاعاً ملحوظاً بالفعل، ويرجع ذلك إلى حد كبير للطلب المتزايد من مراكز البيانات لتشغيل الذكاء الاصطناعي، وأفضل طريقة لكبح المزيد من الارتفاع في الأسعار هو تعزيز نمو محطات الطاقة المتجددة، التي تعد الآن أرخص مصدر للطاقة في الولايات المتحدة حتى بدون دعم. ويمكن بناء محطات الطاقة المتجددة بسرعة أكبر بكثير من تلك التي تعمل بالغاز، التي تواجه الآن فترات انتظار تتراوح بين 5 و7 سنوات، للحصول على التوربينات التي تحتاج إليها.
ومن خلال تقييد نمو الطاقة المتجددة سيجعل القانون الجديد تكاليف الطاقة في الولايات المتحدة أعلى بكثير مما كانت عليه في ظل قانون «خفض التضخم». وستزيد التكلفة السنوية كل عام إلى 433 دولاراً لكل أسرة في 2035، وفقاً لمشروع «ريبيت»، الذي تقوده مختبرات «زيرو لاب» بجامعة برينستون. ومرة أخرى سيكون التأثير أسوأ في الولايات ذات الميول الجمهورية والولايات المتأرجحة، حيث من المتوقع أن يستفيد مستهلكو الطاقة أكثر من التوسع في الطاقة المتجددة.
ويضاف هذا كله إلى الضرر طويل الأمد، الذي لحق بالقدرة التنافسية للولايات المتحدة، وللوقوف على مدى قلق بعض كبار قادة الأعمال نشير هنا إلى التصريحات الأخيرة للرئيس التنفيذي لشركة فورد، جيم فارلي، الذي تأثر بشدة بعد زيارة حديثة للصين، حيث صدم بمدى تقدم منافسيه الصينيين في التحول نحو السيارات الكهربائية، وغيرها من مجالات التكنولوجيا. وقال فارلي: «نحن في منافسة محتدمة مع الصين. وإذا خسرنا هذا فلن يكون لشركة فورد مستقبل».
ويجب أن نعترف بأنه لم يتم إلغاء قانون «خفض التضخم» بالكامل كما كان مقترحاً في المسودات السابقة للقانون، فهناك حوافز مقبولة سياسياً لدى إدارة ترامب، خاصة فيما يتعلق بالطاقة النووية والطاقة الحرارية الأرضية، والتي سيتم إلغاؤها تدريجياً بدءاً من 2034.
في الوقت نفسه لمشاريع طاقة الرياح والطاقة الشمسية الحق في المطالبة بالاعتمادات إذا بدأت في البناء خلال العام المقبل، لكن ذلك سيحدث إذا استوفت شروطاً صارمة، وربما غير قابلة للتنفيذ، بشأن المكونات الصينية، مع بقاء التفاصيل الكاملة بانتظار توضيح من وزارة الخزانة، ما يزيد حالة عدم اليقين المدمرة، كما سيتم إلغاء الاعتمادات الضريبية للسيارات الكهربائية اعتباراً من أكتوبر.
عموماً من الواضح أن سقوط قانون «خفض التضخم» سيضعف فرص أمريكا على المدى البعيد في السباق العالمي مع الصين للحصول على حصة في السوق العالمي للتقنيات النظيفة سريعة النمو، كما أن ارتفاع أسعار الكهرباء سيثقل كاهل الشركات الأمريكية في جميع الصناعات، خاصة في قطاع الذكاء الاصطناعي ذي الأهمية الاستراتيجية، ومع ذلك فإن الكفاءة الفائقة للطاقة المتجددة ستضمن استمرارها في الهيمنة على مشاريع الطاقة الجديدة في أمريكا.
ووفقاً لنماذج مشروع «ريبيت» فمن المتوقع أن تمثل مصادر الطاقة المتجددة وتخزين بطاريات الشبكة 79 % من الإضافات المستقبلية لسعة إنتاج الطاقة على مدار العقد المقبل، في ظل القانون الجديد، وهذا أقل من نسبة 82 %، التي كانت متوقعة لو استمر قانون «خفض التضخم»، لكن هذا الرقم يخفي فارقاً كبيراً في الحجم الإجمالي، وهو 52 جيجاواط سنوياً بموجب القانون الجديد، مقابل 105 جيجاواط سنوياً في ظل قانون «خفض التضخم».
كل ذلك يمثل، عموماً، أساساً قوياً لخطاب سياسي معارض لبنود القانون الخاصة بالطاقة، خاصة في ظل ضعف حجج الطرف الآخر.
No Comment! Be the first one.