
قانون الغاب من العصور القديمة يطغى على النظام الدولي حاليا
واشنطن: تساءل المحلل الأمريكي الدكتور جيمس هولمز في تقرير نشرته مجلة ناشونال إنتريست الأمريكية عما إذا كان القانون الدولي ما زال ساريا. ويوضح أنه من خلال مطالعة الأخبار اليومية، من الصعب الهروب من الشعور بأن قانون الغاب، قانون القوة الغاشمة الذي حكم الشؤون الدولية من العصور القديمة حتى العصور الحديثة نسبيا، قد طغى على مبدأ عدم جواز تعديل الحدود الدولية بقوة السلاح.
وقال هولمز، وهو رئيس كرسي جيه. سي. وايلي للاستراتيجية البحرية في كلية الحرب البحرية، وزميل هيئة تدريس في كلية الشؤون العامة والدولية بجامعة جورجيا، إن عصبة الأمم، التي كان قد تم تأسيسها بعد صدمة الحرب العالمية الأولى، قد سعت إلى تقديس ذلك المبدأ الأساسي في القانون الدولي، إلى جانب مبدأ تقرير المصير.
وأضاف هولمز أن تقرير المصير هو فكرة أن الشعوب التي تحدد نفسها كأمم لها الحق في إنشاء دولها القومية الخاصة، وليس إجبارها على العيش تحت حكم شعوب غريبة.
لم تتمكن عصبة الأمم قط من حشد الإجماع أو القوة اللازمة للنضال من أجل مبادئها ــ ولذا اندلعت الحرب العالمية الثانية
ورغم تطلعاتها السامية، لم تتمكن عصبة الأمم قط من حشد الإجماع أو القوة اللازمة للنضال من أجل مبادئها ــ ولذا اندلعت الحرب العالمية الثانية. وبعد هزيمة دول المحور، أسس المنتصرون الأمم المتحدة، وهى منظمة دولية من المفترض أن تكون أكثر حزما وقوة لفرض مبدأ “الأمن الجماعي” الذي ينص على أن العدوان ضد أحد هو عدوان ضد الجميع ويستوجب ردا مشتركا من الجميع.
لماذا لم تعد الأمم المتحدة تقوم بدور فاعل؟ لقد عقدت الحرب الباردة الأمم المتحدة، وبصفة خاصة مجلس الأمن التابع لها والضامن الرئيسي للسلام والأمن الدوليين، في غضون سنوات قليلة بعد انطلاق أنشطة الهيئة الدولية في سان فرانسيسكو. وتابع هولمز أن السبب وراء ذلك واضح، حيث تستطيع أي دولة من الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن، الصين وروسيا وفرنسا والولايات المتحدة وبريطانيا العظمى، أن تمنع صدور أي قرار يقضي باستخدام القوة.
وبناء على ذلك، سوف تظل الأمم المتحدة دائما تقريبا عاجزة عن التحرك في أوقات الخطر الجسيم. والأمر المثير للتعجب، هو أنه كانت هناك استثناءات لهذه القاعدة، وهما بصفة خاصة استثناءان. فقد تمكنت إدارة الرئيس الأمريكي هاري ترومان من حشد هجوم مضاد مشترك من الولايات المتحدة والأمم المتحدة لصد الهجوم الكوري الشمالي على كوريا الجنوبية عام 1950، وإحباط تدخل مسلح من جانب الصين في وقت لاحق في ذلك الصراع. وقد أعادت هذه الحملة الحدود بين الكوريتين إلى ما كانت عليه، رغم أن الثمن البشري كان باهظا.
وبحسب الكاتب، يعد رئيسا القوتين العظميين الصين وروسيا شي جين بينج وفلاديمير بوتين على التوالي مفسدين داخل النظام. ويسود التقاعس عن اتخاذ أي إجراء حتى في الوقت الذي تتحرك فيه القوى العظمى ضد القوى الأصغر. وتتعرض أوكرانيا لضغوط شديدة، بعد أن خسرت نحو 20% من أراضيها لصالح الجيش الروسي. ويهدد كل يوم جيش التحرير الشعبي الصيني بالقضاء على نظام الحكم الذاتي الليبرالي في تايوان، وفي الوقت نفسه ينشر قوات بحرية نظامية وغير نظامية لانتزاع السيطرة على جزر قبالة السواحل ومياه بحرية من جيران الصين في جنوب شرق آسيا. والشيء الأسوأ من ذلك، هو أن روسيا والصين دولتان نوويتان كبيرتان، مما يزيد من تعقيد معضلة كيفية الدفاع عن ضحايا العدوان. ويميل عدد قليل من الدول إلى تحدي عدو يمتلك أسلحة نووية. ولذا يبدو أن عصر المؤرخ اليوناني ثيوسيديدس قد عاد مرة أخرى.
القوة تتغلب على العدالة في الشؤون الدولية. فلا يمكن للمرء أن يتوقع العدالة إلا إذا امتلك القدرة – وتحديدا القوة العسكرية – للمطالبة بها
وحذر المؤرخ الكبير للحرب البيلوبونيسية، وهو الصراع الذي دار في القرن الخامس قبل الميلاد بين تحالفين متنافسين بقيادة أثينا وإسبرطة، من أن القوة تتغلب على العدالة في الشؤون الدولية. فلا يمكن للمرء أن يتوقع العدالة إلا إذا امتلك القدرة – وتحديدا القوة العسكرية – للمطالبة بها. لقد دفع تدمير الدولة المدينة ميلوس اليونانية (416 قبل الميلاد) على يد أثينا، إحدى القوى العظمى في العالم الإيجي بمنطقة بحر إيجة، ثوسيديديس إلى التعبير عن هذه البديهية الصعبة في السياسة الدولية.
وسواء شاء المرء أم أبى، عادت الدبلوماسية لترتكز على القوة الخشنة. وكما في اليونان القديمة، لا تستطيع الدول الأضعف التفاوض على اتفاق عادل عندما يملك خصمها المقاتل القوة المسلحة وقوة الإرادة والإصرار على الإيذاء لفرض مطالبه بالقوة. وتجد هذه الدول نفسها في ورطة ميلوس وينطبق تحذير ثوسيديديس من الضعف العسكري بالمثل على المواجهات الحالية التي يشهدها البحر الأسود وغرب المحيط الهادئ. وإذا لم يعد القانون الدولي يشكل في حد ذاته حاجزا خاصا به أمام العدوان عبر الحدود، فإنه سوف تكون هناك حاجة لتحالفات مسلحة تسليحا جيدا للدفاع عنه ــ أو المخاطرة برؤية انهيار نظام عالمي مفيد.
واختتم المحلل تقريره بالقول “إنه لا ينبغي لنا أن نترك أوكرانيا وتايوان وغيرهما من الدول المحاصرة لمصير مماثل لمصير الدولة المدينة ميلوس” التي خضعت لاحتلال أثينا لها.
(د ب أ)
No Comment! Be the first one.