
تشجيع للاستثمار أم تحيز للعامل؟ – العالم اليوم
في خطوة وُصفت بأنها الأكبر منذ صدور قانون العمل الموحد، أقرّت الحكومة المصرية قانون العمل الجديد لعام 2025، الذي جاء بمجموعة واسعة من التعديلات تمسّ جوهر العلاقة بين صاحب العمل والعامل. وبينما يرى البعض أنه نقلة نوعية لحماية حقوق الموظفين وتحسين بيئة العمل، يعتبره آخرون عبئًا إضافيًا على المستثمرين والشركات.
أولًا: حماية غير مسبوقة للعامل
أحد أبرز ملامح القانون الجديد هو تعزيز الحماية القانونية للموظف بشكل غير مسبوق، من خلال:
إلغاء استمارة 6 التي كان يُستغلّها في بعض الأحيان لإنهاء العقود بشكل تعسفي.
عدم جواز فصل العامل إلا بحكم قضائي صادر من محكمة عمالية متخصصة.
تعويضات سخية في حالات الفصل التعسفي تصل إلى شهرين راتب عن كل سنة خدمة، مقارنة بشهر واحد في القانون السابق.
المساواة في الأجر وحظر جميع أشكال التمييز، مع إدراج تعريفات دقيقة للتنمر والتحرش وفرض عقوبات مشددة.
تعزيز حماية العمالة غير المنتظمة عبر تسجيلهم رسميًا وتوفير صناديق للتأمينات والإعانات الطارئة.
ثانيًا: امتيازات للموظفين وتحسين بيئة العمل
القانون الجديد لم يكتفِ بحماية العامل قانونيًا، بل منح مزايا عملية ملموسة، من بينها:
إجازة الوضع للنساء 120 يومًا مدفوعة الأجر بالكامل، تتكرر ثلاث مرات طوال فترة الخدمة.
فترتا رضاعة مدفوعتان ضمن ساعات العمل لمدة عامين بعد الولادة.
زيادة الإجازات السنوية حتى تصل إلى 45 يومًا لبعض الفئات كذوي الإعاقة والأقزام.
تحديد ساعات العمل اليومية بـ 8 ساعات بحد أقصى، مع يومين راحة أسبوعيًا، وعدم السماح بالعمل 5 ساعات متواصلة دون ساعة راحة.
مضاعفة الأجر ثلاث مرات عند العمل في العطلات الرسمية وبموافقة الموظف فقط.
إدماج أنماط العمل الحديثة مثل العمل عن بُعد والدوام الجزئي وتقاسم الوظائف.
ثالثًا: أثر القانون على بيئة الاستثمار
رغم ما يحمله القانون من إيجابيات للموظفين، فإن جانبًا من مجتمع الأعمال عبّر عن تخوفاته:
زيادة تكلفة العمالة نتيجة التعويضات المرتفعة، ومضاعفة الأجور في الإجازات، ورسوم صندوق التدريب.
تعقيد إجراءات الفصل حتى في حالات الخسارة الفعلية للشركات.
إلزام التأمين الاجتماعي من أول يوم عمل، ما قد يزيد الأعباء المالية على أصحاب المشاريع الصغيرة.
تقييد مرونة ساعات العمل خاصة للقطاعات التي تعتمد على نوبات طويلة أو ورديات ليلية.
وفي رايي أن هذه المتغيرات قد تدفع بعض المستثمرين لإعادة تقييم خطط التوسع أو نقل بعض الأنشطة إلى أسواق أقل تكلفة.
رابعًا: المحاكم العمالية المتخصصة – حل للنزاعات أم عبء جديد؟
ابتداءً من أكتوبر 2025، سيبدأ عمل محاكم عمالية متخصصة للفصل في النزاعات خلال 3 أشهر كحد أقصى.
ويرى المؤيدون أن هذه الخطوة ستوفر بيئة أكثر عدلًا واستقرارًا، بينما يحذر المعارضون من خطر تراكم القضايا وتعطيل مصالح المستثمرين إذا لم تكن البنية القضائية جاهزة بالقدر الكافي.
خامسًا: بين حماية الحقوق وتحفيز النمو
القانون الجديد يسعى بوضوح إلى تحقيق توازن صعب بين حماية حقوق الموظفين وتشجيع الاستثمار، إلا أن الواقع العملي سيحكم نجاحه أو فشله.
إذا تمكنت الدولة من:
1. تحفيز الشركات عبر حوافز ضريبية تعوّض كلفة الامتثال.
2. تعزيز البنية القضائية لتسريع الفصل في القضايا.
3. دعم أصحاب الأعمال الصغيرة بسياسات مرنة.
فقد يصبح القانون نقلة نوعية ترفع تنافسية السوق المصري.
أما إذا تجاهلت هذه الجوانب، فقد تتحول الامتيازات الممنوحة للموظف إلى عبء استثماري يحدّ من خلق الوظائف.
قانون العمل الجديد لعام 2025 يمثل تحولًا جوهريًا في العلاقة بين العامل وصاحب العمل.
الموظف يربح حماية أكبر، وحقوقًا أوضح، وتعويضات أفضل.
لكن أصحاب الأعمال يواجهون تحديات جديدة قد تؤثر على هوامش الربح وفرص الاستثمار.
يبقى السؤال مفتوحًا:
هل سيصبح القانون رافعة للنمو الاقتصادي أم عائقًا أمام توسع الاستثمارات؟
العامان القادمان سيكونان هم الفيصل في ذلك
No Comment! Be the first one.