
السعودية تضع الذكاء الاصطناعي تحت طائلة القانون
شهدت السعودية في أيلول/ سبتمبر 2025 تطوراً بارزاً في مجال حماية الملكية الفكرية، بعدما فرضت الهيئة السعودية للملكية الفكرية غرامة على شخص نشر صورة معدّلة باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي من دون إذن صاحبها. القرار اعتُبر خطوة تعكس وعيًا تشريعيًا متقدّمًا بضرورة مواكبة التحولات الرقمية وصون الحقوق في عصر تتسارع فيه الابتكارات التقنية.
خطوة تؤسس لسياق جديد
المحامي والمستشار القانوني عيسى المعاني، المتخصص في القانون التجاري وتنظيم البيانات والذكاء الاصطناعي، أوضح لـ”النهار” أن أهمية هذا الحكم تتجاوز قيمته المالية (9,000 ريال سعودي، نحو 2,400 دولار). فهو يمثل حالة معلنة في المنطقة يجري فيها تطبيق القوانين التقليدية لحماية المؤلف على محتوى معدل بالذكاء الاصطناعي.
ويضيف: “الهيئة اعتمدت على نصوص قانون حماية المؤلف (المرسوم الملكي رقم M/41)، ما يدل على مرونة القوانين السعودية وقدرتها على استيعاب تحديات حديثة من دون الحاجة إلى انتظار تشريعات جديدة”.
قانون حماية المؤلف بين الكفاية والتطوير
بحسب المعاني، أثبت المرسوم الملكي الرقم M/41 أنه كافٍ لردع الانتهاكات المباشرة مثل نشر صورة معدلة من دون إذن. لكن في المقابل، هناك قضايا أعقد لا يغطيها بشكل كامل، منها:
• استخدام المصنّفات المحمية كبيانات تدريب للنماذج.
• وضع معايير للإفصاح عن مجموعات التدريب.
• تحديد المسؤوليات بين مطوري الخوارزميات، مزوّدي النماذج، والمنصات الناقلة للمحتوى.
وللمقارنة، يشير المعاني إلى أن الاتحاد الأوروبي اعتمد إطاراً شاملاً عبر قانون الذكاء الاصطناعي (EU AI Act)، بينما فضّلت الولايات المتحدة عبر لجنة التجارة الفيدرالية (FTC) التركيز على إنفاذ قوانين حماية المستهلك ضد الادعاءات المضللة، من دون إطار فيدرالي موحّد حتى الآن.
انعكاسات عربية
يرى المعاني أن التجربة السعودية تقدّم نموذجاً يمكن أن تستفيد منه بقية الدول العربية. فهي تثبت أن تفعيل القوانين الحالية، مع تطوير آليات حفظ الأدلة الرقمية وتلقي الشكاوى الإلكترونية، قادر على حماية الحقوق بفعالية.
ويقترح اعتماد نهج مختلط يجمع بين:
• التطبيق الفوري للنصوص القائمة.
• وضع تشريعات مرحلية تغطي خصوصية المحتوى المولّد آلياً.
ومن الإجراءات العملية الممكنة: إلزام المنصات المحلية طلب تراخيص مسبقة عند استخدام صور المستخدمين في التدريب، وفرض عقوبات إدارية سريعة على حالات النشر التجاري غير المصرّح به.
صورة تعبيرية مولّدة بالذكاء الاصطناعي
توصيات عملية لمستقبل أكثر وضوحاً
وقدّم المعاني حزمة من التوصيات العملية:
• للمشرّعين: إدخال تعديلات عاجلة تشمل تعريف “المحتوى المولّد آلياً”، وضع قواعد لحفظ الأدلة الرقمية، وتمكين الإفصاح القضائي المحدود عن بيانات التدريب.
• للمنصات والشركات: تحديث شروط الاستخدام، توفير آليات واضحة للإبلاغ عن الانتهاكات، وحفظ سجلات تشغيلية يمكن الرجوع إليها عند الحاجة.
• لحاملي الحقوق والمحامين: تطوير استراتيجيات إثبات تقنية، وتعزيز سلاسل الأدلة الرقمية، وخوض دعاوى نموذجية تحدد المسؤوليات القانونية بوضوح.
ريادة سعودية في العالم العربي
تؤكد هذه السابقة أن السعودية لا تنتظر التطورات، بل تواكبها بتشريعات مرنة وإجراءات عملية. فهي لم تكتفِ بردع الانتهاك القائم، بل فتحت نقاشاً أوسع حول كيفية تنظيم الذكاء الاصطناعي وحماية الحقوق في المستقبل.
ويختم حديثه لـ”النهار” بالإشارة الى أن “التجربة السعودية دليل على أن القوانين التقليدية يمكن أن تتفاعل مع التقنيات الجديدة بفاعلية. والتحدي المقبل هو صياغة أطر تنظيمية أكثر تفصيلاً، تجمع بين حماية الحقوق وتشجيع الابتكار في العالم العربي”.
No Comment! Be the first one.