
هل يسهم تعليق قانون قيصر في تعافي الاقتصاد السوري؟ | اقتصاد
جدول المحتويات
دمشق- أعلن المجلس السوري الأميركي عبر حسابه على فيسبوك، أمس الأول الأحد، إبرامه صفقة سياسية مع الحزبين الجمهوري والديمقراطي في الكونغرس الأميركي، تنص على إدخال تعديلات على العقوبات المفروضة على سوريا منذ عام 2019 بموجب قانون قيصر.
وأوضح رئيس السياسات ومدير الشؤون الحكومية في المجلس محمد علاء غانم، في شريط فيديو مسجل، أن الاتفاق يقضي بوقف العمل بقانون قيصر لمدة 4 سنوات مع نهاية العام الجاري، مقابل التزام الحكومة السورية بمجموعة من المحددات والشروط.
ونشر الكونغرس الأميركي على موقعه الرسمي نص مقترح التعديل الخاص بقانون قيصر، الذي يوضح بالتفصيل الآليات التي يتم بموجبها رفع العقوبات أو إعادة فرضها.
شروط ووجهتا نظر
ويشير النص القانوني في الفقرة (أ) إلى أنه من تاريخ صدوره يتم تعليق العقوبات المفروضة بموجب قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا لعام 2019، وتبقى مُعلقة ما لم تتحقق الشروط المذكورة في الفقرة (د).

وتنص الفقرة (ب) على أنه يجب على الرئيس أو من ينوب عنه تقديم تقرير للكونغرس خلال مدة لا تتجاوز 90 يوما من تاريخ إجازة هذا القانون، وكل 180 يوما بعد ذلك، ولمدة 4 سنوات متتالية، تقريرا غير سري مع ملحق سري إذا ما لزم الأمر، يشهد فيه أن حكومة سوريا:
- التزمت بالهدف المتمثل في القضاء على التهديد الذي يشكله تنظيم الدولة الإسلامية والجماعات الإرهابية الأخرى، وعملت بالشراكة مع الولايات المتحدة لتصبح عضوا في التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة.
- حققت تقدما في توفير الأمن للأقليات الدينية والعرقية في سوريا وضمان تمثيلها في الحكومة.
- لم تقم بعمل عسكري من طرف واحد ودون سبب ضد جيرانها، بما في ذلك دولة إسرائيل، وأنها تواصل إحراز تقدم نحو اتفاقيات أمنية دولية، حسبما يقتضيه الأمر.
- لم تقم عن علم بتمويل أو تقديم مساعدات -مالا أو سلاحا أو إيواء- لأفراد أو جماعات إرهابية (بما في ذلك المنظمات الإرهابية الأجنبية والإرهابيون العالميون المدرجون على لوائح التصنيف) ممن يشكلون تهديدا للأمن القومي للولايات المتحدة أو لحلفائها وشركائها في المنطقة.
- استبعدت أو اتخذت خطوات لاستبعاد المقاتلين الأجانب من المناصب العليا في الحكومة السورية، بما في ذلك داخل مؤسسات الدولة والأجهزة الأمنية.
- باشرت التحقيق في الانتهاكات والتزمت بمحاكمة من ارتكبوا انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان منذ الثامن من يناير/ كانون الثاني 2024، بمن فيهم المسؤولون عن مجازر بحق الأقليات الدينية.
وتشير الفقرة (ج) من القانون إلى أن الرئيس أو من ينوب عنه ملزم بإبلاغ الحكومة السورية بنتائج التقرير المطلوب بموجب الفقرة (ب).
أما الفقرة (د) فتوضح أنه إذا لم يتمكن الرئيس أو من ينوب عنه من تقديم شهادة إيجابية لفترتين متتاليتين، فإن رأي الكونغرس هو أن العقوبات بموجب “قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا لعام 2019” يجب أن يُعاد فرضها وتظل سارية حتى يقدّم الرئيس أو من ينوبه شهادة إيجابية جديدة بموجب الفقرة (ب).
ويوضح السياسي السوري والخبير الاقتصادي المقيم في الولايات المتحدة أيمن عبد النور أن النقاشات لا تزال جارية داخل مجلس الشيوخ الأميركي بشأن مسودة قانون موازنة الدفاع الوطني، التي تتضمن ملحقا يتعلق بقانون قيصر.
وبحسب عبد النور، يدور الجدل في واشنطن بين اتجاهين رئيسيين:
- الأول تمثله السيناتورة جين شاهين وعضو مجلس النواب جو ويلسون، ويدعو إلى إلغاء قانون قيصر بشكل كامل.
- أما الثاني، ويحظى بتأييد عدد من أعضاء مجلس الشيوخ بينهم ليندسي غراهام وكريس فان هولين، فيقترح تجميد العقوبات مؤقتا مع إمكانية إعادة تفعيلها إذا أخلت الحكومة السورية بالتزاماتها، بدلا من إصدار قانون عقوبات جديد، وهو الرأي الذي تبدو له الأرجحية في الوقت الراهن.
وأوضح عبد النور، في حديثه للجزيرة نت، أن التزام دمشق بتنفيذ الوعود المُدرجة في مقترح التعديل الأخير سيؤدي إلى رفع عقوبات قانون قيصر بشكل كامل وبصورة تلقائية بعد 4 مراجعات دورية للوضع في سوريا، أي خلال فترة زمنية تقدر بنحو عامين.
فرص ومكتسبات
ورأى عبد النور أن التعديل الأخير قد يمهد لإلغاء مفاعيل القانون بشكل نهائي، وحينها سيكون لذلك أثر كبير على الاقتصاد السوري، من حيث دخول الشركات الكبرى إلى السوق السورية ومضيها نحو الاستثمار دون تخوفات، مما يسهم في تحسين الواقع الاقتصادي، وانتعاش الليرة، وخلق فرص عمل، ويمهّد لبداية حقيقية لعملية إعادة الإعمار.
https://www.youtube.com/watch?v=9kaLGrriU2M
ومن جانبه، أكد الخبير الاقتصادي فراس شعبو أن تعليق العمل بقانون قيصر من شأنه أن يفتح الباب أمام مكاسب اقتصادية مهمة لسوريا، أبرزها تسهيل الحصول على التمويل الخارجي والمساعدات الدولية، في ظل حاجة البلاد إلى “مئات المليارات” لتجاوز أزماتها وإعادة بناء اقتصادها.
وأشار إلى أن التعليق يمكّن سوريا من الوصول إلى التمويل الدولي، وفتح قنوات للتحويل المصرفي مع بعض البنوك العالمية، وتسهيل عمليات الاستيراد والتصدير، وتفعيل الموانئ السورية.
ويسهم تعليق قانون قيصر أيضا في تحريك بعض القطاعات الاقتصادية سواء في مجالات التكنولوجيا والاتصالات، أو في تسهيل حركة التجارة، أو في التحسن النسبي لقطاعات الزراعة والصناعات الغذائية نتيجة السماح بالاستيراد والتصدير والانفتاح على الأسواق الخارجية، وفقا لشعبو.
وإلى جانب الأثر الاقتصادي المباشر، يلفت الخبير إلى أن القرار يحمل بعدا نفسيا وسياسيا يتمثل في عودة الثقة بالنظام المصرفي والاقتصاد المحلي، خاصة مع حضور الحكومة في المحافل الدولية بعد غياب طويل، سواء عبر المشاركة في مؤتمرات اقتصادية عالمية أو من خلال الانفتاح على مؤسسات مالية دولية كصندوق النقد الدولي وغيره.
انعكاسات إقليمية
ويرى الباحث الاقتصادي أدهم قضيماتي أن تأثير التعليق لن يكون واسعا أو فوريا، لكنه سيظهر تدريجيا في المنافسة على عقود الاستثمار والسعي لتحقيق أكبر فائدة ممكنة من المشاريع الموقعة، وهو ما يصفه بالخطوة المهمة في المرحلة الراهنة.
ويشير قضيماتي، في حديثه للجزيرة نت، إلى أن رفع بعض القيود يتيح إمكانية استيراد معدات وتقنيات حديثة لدعم جهود إعادة تأهيل البنية التحتية.
كما يلفت إلى أن دول الجوار السوري ستستفيد من تعليق قانون قيصر عبر مسارين رئيسيين: الأول يتمثل في دخولها للاستثمار في السوق السورية، مستفيدة من القرب الجغرافي ومعرفتها بمتطلبات السوق المحلية إلى جانب القوانين الاستثمارية الجديدة المساعدة. أما الثاني فيتجلى في انعكاس أي استقرار اقتصادي سوري على اقتصادات المنطقة، سواء من خلال استثمارات القطاع الخاص للدول الأخرى في سوريا أو عبر العقود الحكومية مع الدولة السورية.
ويضيف الباحث أن تحسين ظروف النقل البري والجوي والبحري عبر سوريا بعد سنوات من التعطيل وارتفاع التكاليف بسبب غياب الأمن والعمليات العسكرية والرسوم غير الرسمية، سيكون له أثر مباشر على المنطقة بأسرها.
تحديات ومعوقات
ورغم هذه المؤشرات الإيجابية، يرى قضيماتي أن تعليق العقوبات دون رفعها بالكامل يمثل تهديدا غير مباشر للمستثمرين الذين يبحثون عن ضمانات مصرفية وحماية دولية في التعاملات النقدية مع سوريا.

ويتفق الخبير الاقتصادي فراس شعبو مع هذا الطرح، موضحا أن تجميد العقوبات يحد من إقبال المستثمرين خشية إعادة تفعيلها في أي وقت، الأمر الذي يخلق حالة من عدم اليقين ويمنع انتعاش قطاعات حيوية مثل الطاقة والنقل والتحويلات المالية.
وعلى الجهة الأخرى، يرى شعبو أن “العقوبات هي نوع من المعوقات أو التحديات”، إلا أن جوهر الأزمة يرتبط ببنية الاقتصاد المحلي وضعف الإنتاج والاحتياطيات النقدية. مشيرا إلى أن تجميد العقوبات يمنح سوريا فرصة، لكن نجاحها مرهون بقدرة المؤسسات الاقتصادية والمصرفية على إقرار سياسات فعالة تعيد الثقة بالاقتصاد الوطني، بحيث لا يتحول أثر التجميد إلى مكسب وهمي قصير الأمد.
قانون قيصر
وقيصر هو الاسم المستعار للمصور السابق في الشرطة العسكرية السورية فريد المذهان، الذي انشق عن النظام السوري عام 2013، حاملا معه 55 ألف صورة تُظهر التعذيب والانتهاكات في السجون السورية.
وكان نواب أميركيون قد قدموا مشروع قانون باسم قيصر عام 2016 بهدف “وقف قتل الشعب السوري بالجملة، وتشجيع التوصل إلى تسوية سلمية عبر التفاوض، ومحاسبة منتهكي حقوق الإنسان السوري على جرائمهم”.
وبعد مناقشات، أقر الكونغرس بمجلسيه النواب والشيوخ القانون في ديسمبر/كانون الأول 2019، ووقع عليه الرئيس الأميركي كجزء من قانون ميزانية الدفاع لعام 2020.
وفرض القانون عقوبات على شخصيات ومؤسسات سورية متورطة بجرائم حرب، ومنع التعامل المالي مع شخصيات نافذة في النظام السوري أو على ارتباط به. كما نص على معاقبة أي جهة محلية أو أجنبية تستثمر أو تتعامل مع سوريا في قطاعات مثل الطاقة والطيران أو البناء والمصارف، واستهدف كذلك الشركات والدول الداعمة للنظام السوري مثل إيران وروسيا.
No Comment! Be the first one.