
قانون الحشد اختبار لتوازنات السلطة في العراق مع الضغط الأميركي
بغداد – تعكس الخلافات حول قانون الحشد الشعبي في العراق صراعاً أعمق بين مشروعين: مشروع يسعى لترسيخ سلطة الدولة المركزية عبر توحيد السلاح تحت إمرة الحكومة، ومشروع آخر يفضّل بقاء الحشد كقوة مستقلة نسبياً، وهو ما يجعل هذا القانون نقطة توتر دائمة في العملية السياسية العراقية، خصوصاً مع اقتراب كل استحقاق انتخابي أو أمني.
وأكدت النائبة ابتسام الهلالي، عن ائتلاف دولة القانون أن “الخلافات حول القانون لا تزال قائمة حتى داخل الإطار التنسيقي”، ما أدى إلى كسر النصاب وتأجيل مناقشة القانون إلى الدورة البرلمانية القادمة.
ورغم ذلك، أفادت الجزائري بأن هناك نية للمضي بتمرير القانون في المرحلة القادمة، بعد إدخال تعديلات جديدة على بعض فقراته، مؤكدة أنه “لا يمكن الاستمرار في تجاهل ضرورة تنظيم عمل الحشد قانونيا”.
ويعد مشروع قانون الحشد اختبارا جديدا لتوازنات السلطة في العراق بين القوى الشيعية المتحالفة والضغوط الغربية والإقليمية، وكذلك المخاوف السنية والكردية من توسيع صلاحيات الحشد.
ويرى المؤيدون للقانون أنه جاء استحقاقاً لتضحيات الحشد الشعبي في الحرب ضد الإرهاب، ويؤكدون أن دمجه بالقوات المسلحة الرسمية يحفظ التوازن ويمنع تهميش آلاف المقاتلين.
في المقابل يعتبر المعارضون أن القانون يرسخ عسكرة المجتمع ويفتح الباب أمام تضارب الولاءات داخل الدولة، كما يمنح الفصائل نفوذاً مفرطاً يهدد المسار الديمقراطي.
وقال النائب المستقل امير المعموري، أن الاعتراضات وعرقلة تمرير قانون الحشد الشعبي داخل البرلمان لم تكن مبررة اطلاقا، لافتا إلى أن الاطراف المعترضة كان الاولى بها تقديم ملاحظاتها من اجل الاخذ بها والمضي بالقانون بدلا من اعاقة تشريعه.
وأضاف المعموري أن “هناك ضغوط من الخارج وتدخلات لإحباط تمرير قانون الحشد الشعبي داخل البرلمان، إلا ان كل هذه الضغوط والتدخلات غير مبررة اطلاقا، خصوصا ان القانون ليس له تأثير على الاطراف المتخوفة من تشريعه”.
وتابع أن “تمرير القانون من عدمه لن يؤثر على تشكيل الحشد الشعبي، كون هذه القوة مشكلة منذ عام 2014 بفتوى المرجعية الدينية، وبالتالي فإن القانون سينظم عمل الحشد فقط ولا توجد مبررات لإعاقة تمريره”.
وبين أن “عرقلة تمرير قانون الحشد لم تأت من جميع السنة والأكراد، وكان الاولى بالأطراف المعترضة ابداء ملاحظاتها على هيئة الحشد من اجل تقويم العمل والمضي بتشريع القانون بدلا من الاعتراض عليها وعرقلته”.
وكما هو الحال لدى الكتل السياسية، ينقسم الشارع العراقي بشأن الحشد الشعبي بين من يرى أنه ركيزة أمنية ضرورية لحماية البلاد بعد مرحلة داعش، وبين من يحذر من تغول نفوذه وتحوله إلى أداة سياسية ذات بعد طائفي أو خارجي، خاصة في ظل علاقاته مع فصائل مسلحة قريبة من إيران.
كما أن الولايات المتحدة بدورها تمارس نفوذا كبيرا في التأثير على هذا الملف، حيث كشفت النائبة انتصار الجزائري، عن تحالف الفتح بزعامة هادي العامري الخميس، أن التصويت على قانون الحشد الشعبي أجل إلى الدورة البرلمانية المقبلة، مرجعة السبب إلى “ضغوط وتدخلات أميركية” من جهة، و”الحرص على استقرار الوضع السياسي والأمني في البلاد” من جهة أخرى.
وأوضحت الجزائري، في تصريحات لوكالة “شفق نيوز” المحلية أن القانون الجديد يهدف إلى تنظيم عمل هيئة الحشد الشعبي، بوصفها جزءا من المنظومة الأمنية الرسمية العراقية، وخاضعة لإشراف القائد العام للقوات المسلحة.
وأضافت أن تمرير القانون يمثل “خطوة مهمة لتعزيز الاستقرار السياسي والعسكري”، مشيرة إلى أن الهدف من التشريع ليس منح الحشد صلاحيات إضافية، بل هيكلة وضعه القانوني والإداري بما يتناسب مع دوره كقوة أمنية رسمية.
لكن النائبة حملت الولايات المتحدة مسؤولية جزئية عن عرقلة التصويت، موضحة أن واشنطن تخشى أن يؤدي تقنين وضع الحشد إلى تعزيز حضوره السياسي، خاصة داخل المكون الشيعي. وقالت إن “أميركا لا تريد أن يتحول الحشد إلى واجهة مؤثرة في المشهد السياسي”.
وكان مقررا عرض القانون خلال الدورة البرلمانية الحالية، لكن التصويت تأجل بسبب الخلافات السياسية الداخلية، والضغوط الإقليمية والدولية، بحسب النائبة.
وتأسس الحشد الشعبي في العراق عام 2014، بموجب فتوى “الجهاد الكفائي” التي أصدرها المرجع الديني الأعلى آية الله علي السيستاني، عقب اجتياح تنظيم داعش لمدينة الموصل. وتمت مأسسة الحشد رسميا بقانون صوت عليه البرلمان في نوفمبر 2016، إلا أن القانون الحالي لا يتضمن تفصيلات هيكلية أو تنظيمية دقيقة، ما دفع بعض الكتل للمطالبة بإعادة صياغته.
ويعكس تأجيل التصويت على قانون الحشد الشعبي ليس مجرد مسألة إجرائية، بل يعكس تداخلا معقدا بين الضغوط الدولية، والتباينات الداخلية، وصراع الهوية داخل المؤسسة الأمنية العراقية. وبينما تتجه الأنظار إلى الدورة البرلمانية المقبلة، يبقى ملف الحشد أحد أكثر الملفات حساسية في المعادلة السياسية والأمنية للبلاد.
No Comment! Be the first one.