
توافق وطني على قانون المفقودين … وجهود أممية للمصالحة المحلية
طرابلس – «القدس العربي»: تعكس الجهود المتواصلة لبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي التزامًا عميقًا بمعالجة اثنين من أكثر الملفات حساسية وتعقيدًا في المشهد الليبي وهما ملف المفقودين وقضايا العدالة الانتقالية والمصالحة.
وتوّجت هذه الجهود مؤخراً بالتوصل إلى توافق بين الخبراء الليبيين حول مشروع قانون وطني موحد للمفقودين، وهي خطوة محورية طال انتظارها.
هذا التوافق جاء بعد مشاورات استمرت لعام كامل تحت عنوان «معالجة ملف المفقودين في ليبيا»، وشارك فيها 46 ممثلاً رفيع المستوى من المؤسسات التشريعية والتنفيذية والقضائية، بما في ذلك مجلس النواب والمجلس الرئاسي والمجلس الأعلى للدولة ووزارات العدل والدفاع والداخلية، بالإضافة إلى ممثلين عن الهيئة العامة للبحث عن المفقودين وخبراء الطب الشرعي والمجتمع المدني.
وقد تم استعراض مشروع القانون مادة – مادة خلال اجتماعات عقدت في طرابلس يومي 16 و17 أيلول/ سبتمبر.
ويتمحور الاتفاق الأخير حول إنشاء لجنة وطنية موحدة للمفقودين تتمتع بصلاحيات واضحة ومحددة. هذه الخطوة تهدف إلى تجنب الازدواجية والتداخل في الاختصاصات بين المؤسسات القائمة، وهو ما أكده عضو مجلس النواب ميلود الأسود الذي وصف مشروع القانون بأنه «مهم للغاية» لأنه يحل تداخل الاختصاصات بين سلطات الطب الشرعي.
كما شدد المجتمعون على ضرورة مواءمة القانون مع المعايير الدولية، خصوصاً تلك المتعلقة بالاختفاء القسري، وربط جهود البحث عن المفقودين بعملية العدالة الانتقالية الأوسع لضمان سبل فعالة للانتصاف وحماية عائلات المفقودين.
وأشارت المستشارة القانونية عواطف العويني إلى «الحاجة الملحة» لهذا القانون، خاصة مع استمرار ارتفاع عدد المفقودين نتيجة للوضع الأمني والسياسي غير المستقر.
للدفع بهذا العمل إلى الأمام، اتفق المشاركون على تشكيل فريق صياغة مُصغّر لدمج الملاحظات النهائية قبل تقديم مشروع القانون إلى مجلس النواب، مع التزام الأمم المتحدة بمواصلة المشاورات مع عائلات الضحايا والمجتمع المدني لضمان تمثيل القانون لاحتياجاتهم.
على مسار موازٍ، تتكثف جهود المصالحة ومعالجة ملف المفقودين في المناطق المتضررة من النزاعات، وتحديداً مدينة مرزق. ففي اجتماع عقد في طرابلس في 16 سبتمبر، نجحت البعثة الأممية في التوصل إلى اتفاق مع شيوخ قبائل التبو والأهالي والوسطاء المحليين على وجوب تهيئة الظروف الأمنية قبل بدء عمليات الحفر واستخراج الجثامين لضحايا نزاع العام 2019.
يهدف هذا الاتفاق إلى تمكين الهيئة العامة للبحث عن المفقودين من القيام بعملها وتقديم إجابات لأسر الضحايا، مما يدعم جهود المصالحة التي تسعى لردم الهوة التي تسبب بها النزاع الذي أدى إلى مقتل العشرات ونزوح الآلاف.
وقدمت الهيئة شرحًا مفصلاً لطريقة عملها وأكدت جاهزيتها للبحث في مرزق بعد جمع العينات من العائلات، لكنها شددت على الحاجة إلى دعم أمني مكثف لبدء العمل الميداني.
هذه الجهود في مرزق تأتي بالتوازي مع العمل على تقرير مرتقب مشترك بين بعثة الأمم المتحدة ومفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، من المقرر إصداره في عام 2026، والذي سيتناول الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وحالات الاختفاء القسري التي ارتكبت خلال تقدم قوات حفتر نحو طرابلس في عام 2019. التقرير، الذي يستند إلى مقابلات مع أكثر من 50 شاهدًا، يهدف إلى دعم جهود المساءلة وتحقيق العدالة المستدامة، بالإضافة إلى تقديم توصيات لتعزيز المصالحة والعودة الآمنة للنازحين.
النازحون، الذين يقدر عددهم بنحو 4000 شخص، عاد منهم حوالي 200 فقط، حيث أشار المشاركون إلى أن غياب المساءلة عن انتهاكات 2019 حال دون عودة معظم الأسر النازحة، رغم التقدم في إعادة بناء البنية التحتية.
في هذا السياق، أكد المجتمعون في اجتماع مرزق على ضرورة المتابعة مع النائب العام بشأن أوامر الاعتقال التي لم تُنفذ بعد بحق 219 شخصًا متورطين في الجرائم المرتكبة بالمدينة.
هذه المطالبة تعكس الحاجة الملحة لتحقيق العدالة كركيزة للاستقرار، حيث قال محمد حمزة، أحد الوسطاء: «لا وجود للحياة دون استقرار في مجتمعاتنا، فالحياة تصبح مرادفًا للخوف».
من جهتها، شددت الناشطة فاطمة الزهراء حباشي على أن «إرساء حسن النية وبناء الثقة» يتطلب تدابير أمنية لحماية المجتمعات من تجدد التوترات.
ولخصت مديرة دائرة حقوق الإنسان بالبعثة الأممية، سوكي ناغرا، الهدف الشامل لهذه المبادرات بالقول: «رأب الصدع في مدينة مرزق يتطلب أيضًا الكشف عن الحقيقة وتحقيق المساءلة… لا يمكن لأي مجتمع أن يتقدم ما لم تتم الإجابة عن جميع الأسئلة المتعلقة بمصير المفقودين».
هذه التطورات مجتمعة، سواء على المستوى التشريعي الوطني لمشروع قانون المفقودين أو على مستوى المصالحة المحلية في مرزق، تؤكد أن جهود العدالة الانتقالية في ليبيا هي عملية معقدة ومتشابكة تتطلب توازناً دقيقاً بين الحاجة إلى الأمن، والكشف عن الحقيقة، وتحقيق المساءلة.
No Comment! Be the first one.